معيقات إستدامة التنمية الصناعية -3- غياب المهارات الإدارية
 
 


معيقات إستدامة التنمية الصناعية -3-

غياب المهارات الإدارية

 

 

من أهم عوامل إخفاق بعض المشاريع الصناعية هو عدم توفر المهارات الإدارية لدى أعضاء الإدارة العليا والوسطى.  وهذا ينجم عن إصرار بعض أرباب العمل على تولي الإدارة بأنفسهم أو تكليف بعض أقاربهم دون أن يكونوا قد تلقوا الإعداد الكافي لهذه المسؤولية، كما قد ينجم عن توظيف خاطئ.

تتطلب إدارة المصانع بعض الخصائص والمهارات التي ينبغي توفرها في أعضاء هذه الإدارة بصورة نسبية:

أولا : مهارات فكرية

 وهي قدرة الإداري على صياغة السياسات العامة للمؤسسة، وطرحة لآراءه وتوجهاته بقالبٍ فكريٍ متوازنٍ ومترابط، يخدم الثقافة العامة للمؤسسة ويغنيها، وكذلك فلسفة هذه الطروحات  وصياغة شعارات منها - عند الضرورة - تساعد على اعتناق العاملين في المؤسسة لثقافتِها والأيمان بأهدافِها والسعي الدؤوب لتحقيقها .

ثانيا : الثقافة العامة

الثقافة العامة : وهي مراكمة معارف مختلفةٍ عامةٍ ليست، بالضرورة، ذات صلةٍ بالمهنةِ أو مجال عمل المؤسسة.

ثالثا: قدرات قيادية

  إن تنمية المهارات القيادية أمرٌ ممكنٌ في جميعِ المراحلِ والأعمار.  ففي المدارسِ والمعاهدِ والجامعات، فرصة عظيمة لتنمية هذه المهارات، بسن مبكرة، من خلال التوعية والتوجيه وزرع مزيد من الثقة بالنفس لدى الطلاب ومحاكاة أوضاعٍ تتطلب ممارسةِ القيادة أو ممارستها فعلياً من خلال الفرقِ الكشفيةِ والرياضيةِ واللجانِ الثقافية، وكذلك وهو الأهم الاتحادات الطلابية. وبهذا تصبح المؤسسات التعليمية رافد يزود عالم الادارة والأعمال بقيادات محتملين.

رابعا:  إدارة الأفراد

وهي مهارةٌ أساسيةٌ مطلوبةٌ لدى الإدارة العليا والوسطى والإشرافية، وهي في غايةِ الأهمية.  ولا يمكن تخيل إداري ناجحٍ يفتقدُ هذه المهارة.

تتطلب هذه المهارة عدداً من الأمور التي يجب أن تتوفر في المدير، والذي يجب أن يسعى باستمرار على تنميتِها:

 

أ- القدرة على فهم الطبيعة البشرية، وتوقع ردود الفعل ومقدار العطاء ومقدار التحمل لكل شخص. وهذا يتطلب القيام بعملية ( Mapping ) أي رسم خريطة للفريق تظهر عليها تضاريس المشاعر والقابليات والطبائع لأعضاء الفريق الخ..

  ب- مراعاة الفروقات الفردية بين الناس حسب استيعابهم والتمايز بين قدراتهم ومؤهلاتهم وخبراتهم وطموحاتهم وأعمارهم ومقدار انتمائهم إلى المؤسسة وقدرتهم على الاستيعاب الخ.. وبالتالي التعامل معهم حسب هذه الفروقات، دون تطبيق معايير مزدوجة في التعامل، الأمر الذي يناقض مبدأ العدالة بين الجميع.

 

  ج- تحييد العلاقات الشخصية وصلة القربى والدين والعرق والطائفة والمنطقة ..الخ. وهذا لا يعني بالضرورة ظلم الأقارب،  لكي يثبت المدير أنه لا يميز فهذا بحد ذاته ظلم.  ولكن بمعاملة الجميع سواسية، دون تمييز.  واعطائهم فرص متساوية.  وتجنب ازدواجية المعايير، سواء كان ذلك في الثواب أو العقاب. 

  د- الابتعاد عن المزاجية في التعامل: لا أحد يجهل المزاجية وتأثيراتها.  ولكن كثيرون منا لا يدركون مقدار تأثيرها المدمر على أداء المؤسسات.  وهو أمر غاية في الأهمية حيث أن هيمنة العامل المزاجي  تؤدي إلى اتخاذ قرارات غير موضوعية، وهذا يؤدي إلى الانحرافِ عن العدلِ والمساواة.

هـ- مهارة التواصل: والمقصود بذلك التواصل المستمر مع الفريق وعدم الانقطاع لأي سببٍ كان. إن التواصل المستمر أمرٌ ضروريٌ ومهم. وعلى المديرِ أن لا يتقوقع،  وأن لا يسمح لأيِ نوعٌ من "الفوبيا " أن يتكون لدية من  العاملين في الميدان.

و- إقامة علاقات ودية صادقة مع العاملين:

لا يعقل لمديرٍ يعمل في مؤسسةٍ، يعملُ فيها أعداد كبيرةٍ أن يكونَ صداقات مع كامل الفريق، ولكن بإمكانه أن يكون ودياً مع الجميع؛ فعلى الأقل أن يتذكر بعض الأسماء وبعض المعلومات عنهم.  ويبدي بعض التعاطف مع من يحتاج إلى التعاطف.  والسؤال عن أحوالِهم وعن تقدمِ الجدد منهم وانخراطِهم في العمل.

د- حسن الاستماع

وهذه فضيلةٌ تتطلبَ من الإنسانِ الإصغاءَ إلى المتحدث، ويركزَ على ما يقوله. وهذا أمرٌ يتصفَ بالأدبِ وبإعطاء الفرص للآخرين للتعبيرِ على أنفسهم، مما ينجم عنه مزيد من المشاركةِ ولحمة الفريق.

هـ- تجنب توجيه اللوم علنا

من أسوأ الممارسات السائدة في مواقعِ العمل هوَ توجيهِ اللومِ علناً  للعاملين على نتائج سلبيةٍ في الأداء، مما يتركُ أثراً سلبياً على أدائِهم لفترةٍ من الزمن، ويزيد من سلبيتهم ويقلل من المبادرة والإبداع لديهم.

و- تشجيع الإبداع والعطاء أمام الجميع :

وعلى عكس توجيه اللومِ علناً فإن التشجيعَ على الأداءِ الجيد يجب أن يتم  بصورةٍ علنيةٍ، الأمرُ الذي  يشجع المبدع، ويشكل قدوةً حسنةً للآخرين.

ز- اتباع نظام تقييم أداء وتشجيع التقييم الذاتي :

من الضروري تبني نظاماً علمياً لتقييم الأداء، يكون مفهوماً لدى الجميع، بحيث يمتاز بالبساطةِ والوضوحِ والشفافية، فيكون مفهوماً لدى الجميع.  وهذا قد يكون شهرياً أو كل ثلاثةِ شهورٍ او بشكلٍ سنويٍ ويكون قائماً على معاييرَ محددةً ومحدودةً وبسيطةً.  وهذه التقييمات يجب أن يكون لها أثرها الواضحُ على مسيرةِ الموظفِ كالترقياتِ والمكافئاتِ الخ..

خامسا: المهارات الفنية

وهي معرفةِ وإتقانِ كلُ ما يتعلقَ بالعملِ الذي يمارسُه العمالُ الفنيونَ في المؤسسة. وكذلك الجوانب المساندة لذلك كالصيانةِ والتصميمِ والتسويقِ ومصادرِ مدخلاتِ الإنتاجِ الخ.. فإن كانَ مصنعُ  ملابسِ فيكونُ الشخص الإداري على معرفةٍ بعمليات الخياطة المختلفة، وان كان مصنعُ اثاثٍ خشبيٍ فذلك يعني معرفةُ عملياتِ النجارةِ، هذا بالإضافة إلى المعارفِ المساندة.

مضافاً إلى ذلكِ أمورٌ فنيةٌ أخرى تتعلق بالماكيناتِ وحركةِ المواد وإيجاد أفضل المصادرَ لها وتخزينها الخ..

سادسا: التحمل والعمل تحت الضغط

لا يمكن لأيامِ الأسبوعِ أو الشهرِ أن تكونَ كلها متماثلةٍ في العملِ في المؤسسة، فبينما تكون رتيبةٌ روتينيةٌ في بعضِ الأيام، تأتي أيامٌ أخرى يكون العملُ متأزماً ومطلوبٌ من الجميعِ بذلُ جهداً اضافياً وتحملِ  العملَ تحتَ ضغطِ طلبيةٍ متأخرةٍ أو عطلِ إحدى الماكيناتِ أو مشكلةِ جودةٍ في أحد خطوطِ الانتاجِ الخ..

سابعا: المبادرة

والمبادرةُ هي التقدم بأفكارٍ جديدةٍ او مغايرةٍ للتعامل مع حالةٍ معينةٍ، ووضعها موضع التنفيذ بصورة تتسم بالخروج عن المألوف من ناحية بلورة القرار وتنفيذة.  وهذه ميزة مطلوبة لدى جميع الفئات الإدارية. وتظهر الحاجة إليها اكثر جلاء لدى الإدارة الوسطى.  وبنفس الوقت الذي يجب تشجيع جميع الإداريين التحلي بالمبادرة، ينبغي عدم السماح من أن تتحول الى وسيلة لدفن النظم والقوانين وإشاعة الفوضى والإختلاف في صفوف الإداريين.

ثامنا: اللياقة البدنية والصحية

اللياقةُ البدنية مطلوبةٌ وضروريةٌ للحركةِ وخصوصاً في إدارةِ المشاريعِ الإنشائيةِ  والصناعيةِ  والزراعية. الأمر الذي يتطلب حركةً كثيرةً في كلِّ الإتجاهاتِ، بما في ذلك الصعود والهبوط. فتوفر اللياقةِ البدنيةِ يترك انطباعاً إيجابياً على بقية العاملين تاركاً تأثيراً عليهم مضمونة الدعوةُ الى مزيدٍ من الحركةِ والنشاطِ ونبذِ الكسل، فيما يسمى بلغة الجسم ( Body language ) التي تترك أثراً كبيراً على الطواقمِ الإشرافيةِ وبدرجةٍ أقل للإدارةِ الوسيطةِ وبدرجةٍ أقل للعليا.

تاسعا: النزاهة

يُطلق كثيرون تعبير " طهارة اليد " على المدراءِ والمسؤولين الذين لا تمتدُّ أيديهم ألى ما ليس لهم بةِ حق.  والنزاهةُ لا تقتصر على الجانبِ المادي فحسب، إنما تتعدى ذلك الى الترفعِ عن كلِّ ما يعتبر إغتصاباً لما يعود للغير؛ مثل سرقةِ الجهودِ والأفكار، ولكن هنا نودُّ حصر النقاشِ في الجانبِ المادي. 

يشكوا اقتصادُ معظم دول العالمِ الثالثِ من جملةِ معوقاتٍ تحد من نموة.  مثل نقص الكفاءات والخبرات وعدم موائمة القوانين المحلية ووجود معيقاتٍ عقائديةٍ وقبليةٍ الخ.. الا أن إنتشارَ الفسادِ يبقى الآفةُ ألأكبرَ في وأدِ مشاريع إقتصاديةٍ واعدة.

عاشرا: الحزم

والمقصودُ هنا عدم التراخي في تطبيقِ القوانين والقرارات والقبول بانصافِ الحلولِ ونتائجَ غير مُرْضية. وهذه صفةٌ مطلوبةٌ بشكلٍ أكبر لدى الإدارات العليا، بحيث يتم إتخاذُ القرارات القاطعة بتوقيتٍ جيدٍ وبدون تردد، وعدم تركِ المجالَ مفتوحاً للتقولات والتوقعات والتكهنات.

 

حادي عشر: التعامل مع الوقت

هذه مهارةٌ مهمةٌ جداً، وحقاً قد تكونَ منْ أهم ما يفرقُ بين مديرٍ ناجحٍ أوغيرَ ذلك.

أؤكد على تسميتِها مهارةً لأنَّ بالإمكان تنميتها وتطويرها . ولكن قبل الشروعِ في تنميتِها مطلوبٌ أنْ يكون هناك الإيمانُ العميقُ بأهميةِ الوقتِ وإمكانيةِ الاستفادةِ منه، كمورد، بفعاليةٍ أكبر . وهذه قضيةٌ – في بعضِ جوانبِها – حضاريةٌ، فمن مؤشراتِ التخلفِ لدى أمةٍ ما، هو عدمُ الاهتمامُ الكافي بالوقت.

كذلك التمرسَّ على ما يسمى "إدارة الوقت"، من خلالِ تعلمِ والإستفادةِ من أدواتِ ووسائل إدارةِ الوقت، التي تساعد على توزيعِ الوقتِ المتاحِ على النشاطاتِ المختلفةِ بعد تصنيفها حسب الأولوية.  وكذلك توزيع المهام على المساعدين وإعطائهم بعضَ الصلاحيات لتسهيل ذلك، ثم التعود على إختصارِ وقت الإجتماعاتِ والمحادثاتِ التلفونيةِ والمقابلات.

ثاني عشر:القدرة على التواصل

تُعتبر القدرةُ على التواصلِ من الصفاتِ الأساسيةِ لكلِّ إنسانٍ يعملَ ضمنِ فريقٍ، ويتطلب منه عملة توصيلَ معلوماتٍ واستلامها وهذا هو الحال، من الناحيةِ العملية،  لدى كل المدراء من جميع الفئاتِ في جميع أنواعِ المؤسسات، فإيصالُ أفكارٍ واعطاءُ تعليماتٍ وخلقُ قناعاتٍ وتقديم شروحاتٍ من جهةِ والحصول على تغذيةٍ عكسيةٍ والتفسير لبعضِ النتائج وشرح لبعضِ ردودِ الفعلِ من جهةٍ أُخرى يجري في كلِّ مؤسسةٍ في كل ساعةٍ من ساعاتِ العمل .  ويُقاسُ النجاحُ في هذا المضمارِ على القدرةِ على إحداثِ التواصلِ الجيدِ بأكفأ السبلِ وأَسرعها.

ثالث عشر: الإيمان بالإنسان

هذه عقيدةٌ إداريةٌ مهمة. ومطلوبةٌ لجميعِ المراتبِ الإدارية . وتعني أنَّ المديرَ يؤمنُ بالإنسانِ ويحترمه ويقدر كينونته وذكاءه وكرامته وكبرياءه .

وكذلك يؤمن بأنَّ هذا الإنسانُ هو عالمٌ قائمٌ بذاتِه له طموحاتُه وآماله وتاريخه. وهو قابلٌ للتأقلمِ والتكيفِ والتعلمِ والإصلاح، وبالتالي التحولُ إلى إنسانٍ يتبنى ثقافةَ المؤسسةِ ويكون عضواً صالحاً ومفيداً فيها يساهمُ في بناءِها ونموِها.  وهذا عكسُ ما ينظر بعضُ المدراء للإنسان على أنه مجردُ  رقمٌ او فرصة.

هذه الخصائص والمهارات ينبغي توفرها في الإدارة العليا للمصنع ولو بصورة نسبية.  هذه ليست نظرة مثالية.  لا بأس أن لا يتمتع المدير بواحدة أو إثنتين من هذه الخصائص، ولكن المشكلة أن لا يكترث المدير بتطوير نفسه.  في هذه الحالة تصبح المكابرة سيدة الموقف.  إن وجود مدير غير مؤهل يجعل نجاح المصنع قضية مصادفة، والمصادفة لا تحدث كثيراً.

                                                                           نديم أسـعد

 
 

 


تعليقات

لا يوجد تعليقات

الإسم 
البريد الإليكتروني (ليس للنشر)
التعليق
هل توافق على الانضمام لمجموعتنا البريدية؟
  أرسل

 

Counter