الأحنف بن قيس
 
 


أشتهر الأحنف بن قيس، الذي عاش في القرن الهجري الأول، بالحلم لدرجة أنه كان مضرب المثل في ذلك، ولكنه لم يشتهر كقائد عسكري، على الرغم من أنه قاد الجيوش في زمن عثمان بن عفان وفُتحت على يديه مدن، ومن بينها مدينة الطالقان في شرق فارس.

وعندما يقود رجل حليم الجيوش، فإن لنمط قيادته طابع خاص، يتسم بالرحمة والبعد عن سفك الدماء غير المبرر، كما أنه يعتمد آليات صنع قرار قائمة على قاعدة عريضة من التشاور والمشاركة.  وهكذا كان الأحنف في معركة فتح الطالقان.

فعندما توجه لحصارها حشد له العدو ثلاثين ألف مقاتل، بينما كان تعداد جيشه لا يتعدى العشرة آلاف.  فإستشار قادة الكتائب والسرايا، فأشاروا عليه بآراء مختلفة؛ فمنهم من نصحة بطلب المدد، ومنهم من أشار عليه بالمناجزة، ومنهم من إقترح الإنسحاب.

لم يكتف الأحنف بهذه الآراء فتوجه إلى الجنود، موسعاً بذلك قاعدة المشاركة، وفي إحدى الخيام إستمع إلى رأي وجد فيه المخرج، فقد كان أحد الجنود منشغلاً بإعداد الطعام لمجموعته بينما كان زملاءه يتقدمون بإقتراحات وآراء والقائد ينصت لكل واحد منهم، فتكلم ذلك الجندي قائلاً أنه من أجل حرمان العدو من ميزة الغلبة العددية، تتم مواجهته في منطقة محصورة ما بين جبل ونهر، فلا يستطيع العدو حشد جميع جنوده، وإنما يحشد عدداً مكافئاً لعدد جيش الأحنف. 

وفي اليوم التالي عبأ الأحنف جيشه في ذلك المكان، وإشتبك الجيشان في قتال شرس إستمر لما بعد الغروب، حيث لم يأمر الأحنف جيشه بالتوقف عند الغروب كما كانت العادة في العصور القديمة، إذ أن القتال الليلي لم يعرف إلا بعد إختراع اللاسلكي.

تمكن الأحنف وجيشه من حسم المعركة في ذلك اليوم وفتحت المدينة.  رحم الله الأحنف بن قيس،  فقد كان مدرسة في الخلق القويم، كم نحن بحاجة إلى بعض شذراتها.

                                                                                                نديم أسـعد        

 
 

 

تعليقات

لا يوجد تعليقات

الإسم 
البريد الإليكتروني (ليس للنشر)
التعليق
هل توافق على الانضمام لمجموعتنا البريدية؟
  أرسل


 

Counter