أبو مروان عبد الملك سلطان المغرب
 
 


ينتمي السلطان أبو مروان عبد الملك إلى السلالة السعدية التي حكمت المغرب الأقصى ما بين 1554 و 1659 وهو إبن السلطان محمد الشيخ، الذي تم إغتياله على يدي العثمانيين ( حاكم الجزائر – حسن باشا إبن خير الدين برباروسا ) عندما كان يحضر لتحالف مع الإسبان ضد العثمانيين في العام 1557.  وكان العثمانيون يتعاملون وفق ستراتيجية، في هذه الفترة، تتمركز حول هدف كبير وهو إستعادة الأندلس بعد ضم المغرب، وهذا تحدي أثبت أنه ليس سهلاً حيث كانت إسبانيا والبرتغال تملكان أسطولين كبيرين وينعمان بخيرات الأقاليم " المستكشفة " مؤخراً في العالمين الجديد والقديم.
عقب موت السلطان محمد الشيخ تولى الحكم إبنه الغالب عبد الله، الذي بادر إلى إقصاء إخوته وعمل على تصفيتهم، مما دفع عبد الملك وإثنين من إخوته إلى الهرب إلى الجزائر، حيث وضعوا أنفسهم في خدمة الدولة العثمانية مشاركين في الجهد الحربي الذي كان يغطي مساحات واسعة من العالم القديم، من سواحل الهند شرقاً إلى جزر الكناري غرباً ومن أسوار فينا شمالاً إلى شواطئ الصومال جنوباً.
تمكن الأخوة من لعب أدوار هامة وتولي مناصب رفيعة في الجيوش العثمانية وإداراتهم الحكومية.  حيث أمضوا 17 سنة بين العثمانيين معظمها في الجزائر، إلا أنهم زاروا إستانبول أكثر من مرة حيث كانوا يقابلون السلطان العثماني ويتلقون التكريم والتشجيع.  فقد أصبح أخوه الأكبر عبد الرحمن حاكما لمدينة تلمسان ولكنه مات بعد ذلك بقليل. تعلم عبد الملك من العثمانيين الكثير، تنظيم الدولة والجيش وصناعة الأسلحة وغير  ذلك من الأمور.
في العام 1571 زار عبد الملك وأخوه الأصغر أحمد إستانبول، ومن هناك توجها إلى جنوب إيطاليا، حيث شاركا في معركة ليبانتو الشهيرة، التي شاركت فيها قوى أوربية عديدة.  وقع عبد الملك أسيراً في يد الإسبان، حيث أُخذ إلى إسبانيا وقابل الملك فيليب الثاني، الذي قرر الإحتفاظ به ليستخدمه في المستقبل للمقايضة، فهو أخو ملك المغرب، وقائد عسكري عثماني رفيع المرتبة.  فتم ترحيله إلى وهران، التي كانت مستعمرة إسبانية، ليعتقل فيها.  ولكنه تمكن من الهرب ليعود وينضم للعثمانيين.
في العام 1574 شارك في الحملة العثمانية لضم تونس، بعدها توجه إلى إستانبول حيث قابل السلطان العثماني مراد الثالث وحصل على منه على الموافقه على تقديم الدعم العسكري له لإعتلاء عرش المغرب بعد الإطاحة بأخيه.
وفعلاً تمكن عبد الملك بمساعدة قوة عثمانية قوامها عشرة آلاف جندي من الدخول إلى فاس والإطاحة بأخيه الذي هرب إلى البرتغال.
كانت البرتغال يحكمها ملك شاب إسمه سباستيان، وكان طموحاً متحمساً للقيام ببعض الإنجازات العسكرية، وكانت مطامع البرتغاليين والإسبان بالمغرب قوية ولا يفوتون الفرصة لتحقيق تقدماً في هذا الإتجاه.
فجهز سباتيان جيشاً ضخماً من الفرسان والمشاة والمدفعية وحشد أسطولاً ضخماً لنقل الجيش وتموينه والمشاركة في الأعمال الحربية.  وإنضم إليه متطوعون من إسبانيا وإيطاليا وألمانيا، كما رافقه الملك المغربي المخلوع وعدد قليل من الجنود المغاربة.
إختلف المؤرخون كالعادة، فقد قدر مؤرخو الجانب المغربي عدد الجيش البرتغالي وحلفاءه بمائة وخمس وعشرين ألفاً وعدد السفن بألف سفينة، ولكن المؤرخون الأوربيون كان لهم تقديرات أخرى، حيث قدروا الجيش البرتغالي بنحو أربعين ألف مقاتل.  
كما إختلف المؤرخون في عدد الجيش المغربي، الذي كان مدعوماً بجيش عثماني وأعداد كبيرة من المتطوعين من جميع أنحاء المغرب، حيث كانت الصيحة " أقصدوا وادي المخازن للجهاد في سبيل الله ".  ووادي المخازن موضع إستطاع عبد الملك أن يجعل اللقاء فيه، وهو بالقرب من محلة القصر الكبير، حيث يذكر المؤرخون أنه كتب لملك البرتغال سباستيان كتاباً، جعله يحجم عن إجتياح مدن ساحلية والتوجه لمواجهته.   فقد قدر المؤرخون المغاربة عدد جيش عبد الملك بأربعين ألف مقاتل، بينما ذكر المؤرخون الأوربيون أن العدد كان أكبر من ذلك بكثير، والمؤكد أن أعداد المتطوعين كانت كبيرة.
قاد عبد الملك الجيش بنفسه، على الرغم من مرضه، كما قاد أخوه أحمد متطوعي فاس، وحاول أخوه المخلوع أن يستميل وجهاء المغرب فكتب لعدد منهم، ولكنهم ردوا عليه بالرفض لإستعانته بالأعداء.
قاد عبد الملك الهجوم الأول، ثم إستدرج الجيش البرتغالي حيث تمكن من عزله عن اسطوله عندما أعطى أوامره بهدم قنطرة كانت تقوم فوق مجرى مائي ، وعندما تراجع البرتغاليون وحلفائهم تحت وقع هجوم مضاد مغربي كانت القنطرة قد هدمت ( أو نسفت ) فسقط أعداد كبيرة من الجيش البرتغالي في البحر وكان سباستيان من بينهم، حيث لم يعثر على جثمانه، كما قتل المخلوع في المعركة.
حسمت المعركة حيث لم تستمر المعركة سوى أربع ساعات.  ولكن قبل أن تحسم تماماً كان المرض قد إشتد بعبد الملك، فلجأ إلى خيمته بعد أن شارك بالصولة الأولى، وفي الخيمة توفي واضعاً أصبعه السبابة على فمه، موحياً إلى مرافقيه أن لا يذيعوا خبر موته حتى تنتهي المعركة.  وإنتهت المعركة بعد ذلك بقليل وتولى الحكم أخوه أحمد، الذي لقب بالناصر، تم تتويجه في أرض المعركة.
سميت هذه المعركة بمعركة وادي المخازن من قبل المغاربة، وسماها البرتغاليون معركة القصر الكبير، وسماها المؤرخون الأوربيون معركة الملوك الثلاثة، حيث شارك فيها ثلاثة ملوك وماتوا فيها جميعاً.
مات سباستيان، ولكنه تحول إلى أسطورة، حيث نسجت حوله قصص كثيرة، مفادها أنه سيعود، حيث لا يزال بعض البرتغاليون يأملون بعودة القديس سباستيان – سان سباستيان.
لم يترك سباستيان وريثاً، مما حدا بإسبانيا إلى ضم البرتغال، حيث إستمرت جزءاً من إيبيريا موحدة لعدة عقود، ثم تمكنت من إستعادة إستقلالها، ولكنها لم تتمكن من إستعادة مكانتها كإمبراطورية عالمية.  لقد تمكن عبد الملك من القضاء على إمبراطورية هددت سواحل بلاده، وهددت إمارات الخليج العربي وجنوب الصين غرب الهند جنوب الجزيرة العربية وحاولت التوغل في البحر الأحمر.  رحم الله عبد الملك فقد رجلاً فذاً ومجاهداً قل مثيله.                                                           
نديم أسـعد

 
 

 

تعليقات

لا يوجد تعليقات

الإسم 
البريد الإليكتروني (ليس للنشر)
التعليق
هل توافق على الانضمام لمجموعتنا البريدية؟
  أرسل


 

Counter