أوراق من دفتر أيار (30) - الجهاد يستمر
 
 


                                   الجهاد يستمر

أذكر أنني قرأت مقابلة مع إعلامي فلسطيني كان يعمل محرراً للأخبار  بإذاعة القدس في الثلاثينات، في أيام إحتدام الثورة العربية في فلسطين، وذكر  كيف ظهرت كلمة " نضال " كمفردة بالمعنى الدارج اليوم.  قال أنه كان هناك رقيب إنكليزي، وكان يتحسس من كلمة جهاد، وكان لا يمانع من إذاعة أخبار الثوار شرط أن لا يوصفوا بالمجاهدين، وأن لا يسمى ما يقومون به جهاداً.  عند ذلك لجأ العاملون في الإذاعة إلى إستخدام كلمة نضال ومناضلين حتى يتجنبوا إعتراضاته، ولم تكن الكلمة شائعة الإستعمال لغاية ذلك الوقت.

وبما أن ذلك العلج الإنكليزي كان يتحسس من هذه الكلمة، فهذا يعطينا سبباً إضافياً للتمسك بها.  فنقول إستمر الجهاد ولم ينقطع خلال الـ 64 عاماً الماضية.

لم تكن المؤتمرات الأربعة التي عقدت في عمان واريحا ونابلس ورام الله تباعاً بتلك السذاجة والغباء اللذي يظهر عليها، فالمدقق يرى أن القرار الأول كان إستمرار القتال والقرار الثاني تسليح الشعب الفلسطيني، وكانت الدول العربية قد إتخذت قرارها بعدم محاولة إستئناف القتال بعد الهدنة الثانية.  كما إستمرت بتهميش دور الشعب الفلسطيني في التعامل مع قضيته؛ من خلال الإمتناع عن تسليحه وإقصاء قياداته وقواه السياسية.

بعد إتفاقيات الهدنة الموقعة في ر ودس بدأ بعض الأفراد والتشكيلات تأخذ زمام المبادرة وتمارس بعض أشكال العمل الفدائي ضد المغتصب.  كثير من هذه النشاطات لم يأخذ حقه من التأريخ، ولا يزال مجهولاً للكثير من شباب الأمة، الذين ربما تسرب إلى خلدهم أن الشعب الفلسطيني إستكان وتقبل هذا المصير.  صحيح أن أغلبية الرجال إنخرطوا بنشاطات تهدف إلى إصلاح أحوال أسرهم إقتصادياً بطلب العلم وتعلم مهن والسفر والإنخراط بمشاريع زراعية وصناعية وتجارية.  ولكن كان هناك نخب إختارت أن تبقى شعلة الجهاد متقدة.  كانت ذروتها في الفترة الواقعة ما بين حربي 48 و56 في غزة والخليل.  ويبدو أن خطاب جمال عبد الناصر الشهير، الذي عابه البعض، والذي قال به أنه لا يملك خطة لتحرير فلسطين، كان له اثراً في ذلك لأنه عنى بذلك أن لا بديل للعمل الشعبي، مما ساعد الفلسطينيين على إستعادة زمام المبادرة للمرة الأولى منذ نهاية الثلاثينات.  ومنذ ذلك الحين لم يتوقف الجهاد.  كان يفتر أحياناً.. نعم ولفترات قصيرة.  كان يتعرض لإنتكاسات.. ولكنه كان ينهض.  كان هناك أخطاء.. نعم، قد نستطيع تبريرها وقد لا نستطيع.  ضاعت فرص..نعم.  ولكن في جميع الأحوال بقيت شعلة الجهاد متقدة بوهج قد لا يعرف الكثيرون منا مقداره، ولكن المغتصب يعرف.. فقد إكتوى بناره.  

هذه الشعلة ستبقى مشتعلة حتى لا ينسى المغتصب أنه يعيش على هذه الأرض مقابل شخص أُقتلع منها، ولا بد لهذا الشخص أن يعود.

                                                                              نديم أسـعد    

 
 

 


تعليقات

لا يوجد تعليقات

الإسم 
البريد الإليكتروني (ليس للنشر)
التعليق
هل توافق على الانضمام لمجموعتنا البريدية؟
  أرسل

 

Counter