أوراق من دفتر أيار (31) - الأرض تتكلم عربي
 
 


الأرض تتكلم عربي

علاقة الإنسان بالمكان كانت حجر الأساس في القضية الفلسطينية، لقد تعلق الإنسان الفلسطيني بالأرض وبالحجر والشجر.  وقد أثبت المكان أنه يبادل الإنسان العربي الفلسطيني هذا الود وهذه المشاعر، بل سبغ نفسه بهوية ترفض الغريب وتحافظ على الهوية الوطنية والثقافة الشعبية التي سادت لقرون طويلة موغلة بالقدم.

هذه ليست بكائية أختم بها هذه السلسلة من المقالات، بل هي قناعة توصلت إليها منذ سنوات بعقلي وليس بعاطفتي.

لقد هدم الإحتلال مئات القرى – تحديداً 470 قرية ، ليس لحاجتهم لبناء مستوطنات مكانها، بقدر ما هو إجراء لمنع أهالي القرى من العودة.  كان الهدم بدايةً يقتصر على إحداث فتحة في سقف الغرفة الرئيسية في البيت     ( العقد ) الذي كان عملياً وفي الغالب يتكون من غرفة واحدة، مما يجعل البيت غير صالح للمعيشة، ثم أزيلت البيوت بكاملها.  وفيما بعد عملوا على إزالة القرى بآثارها، حتى لا يعود أحد قادر على تحديد موقع القرية.  ولكن هذا الجهد فشل.

فشل بجهد الإنسان المؤمن بالعودة، فقد تم توثيق أعداد ومواقع القرى المهدمة وتم وضع خرائط لها وأرشفة الصور الموجودة لكل قرية.

كما فشلت بفضل الأرض نفسها، ففي كل موقع كانت عليه قرية أبت الأرض إلا أن تبقي شجرة تين، ربما كانت جزءاً من حاكورة،  أو شجرة صبار ، والتي ربما كانت جزءاً من سياجٍ لبستان أو شجرة توت كانت تظل نساء الدار في صباحاتهن. أو قد يكون هناك قنطرة من بيت قديم تعاجز المغتصب عن هدمها، أو بقايا مزرعة حافظت على بصمات الإنسان ولم تمحوها عوامل الإهمال المتعمد.  دائماً، هناك ما يشير إلى حياة أُقتلعت بأيدي مجرمة جاءت من خلف البحار مسلحة بعلم وتنظيم وتمويل ودعم سياسي بقدر ما هي مسلحة بعقلية إجرامية وحقد دفين.  فتشرد الإنسان الذي زرع شجرة التوت وبنى حولها داراً عمرها بالخير وحب الأرض حتى بادلته الحب ونطقت بلغته، باللسان العربي الفصيح.. الأرض بتتكلم عربي، عبارة لم أفهمها إلا بعد أن رأيت التين في البروة والصبر في السنديانة وأحجار حطين المتناثرة.

                                                                    نديم أسـعد      

 
 

 


تعليقات

لا يوجد تعليقات

الإسم 
البريد الإليكتروني (ليس للنشر)
التعليق
هل توافق على الانضمام لمجموعتنا البريدية؟
  أرسل

 

Counter