نحو إقامة صناعة ألبسة عربية متكاملة
 
 


ستبقى صناعة الألبسة تتمتع بخصوصيات تجعلها فريدة بين الصناعات، فعلى الرغم من قدمها، فهي من أقدم خمس أو ست صناعات، لا تزال تعتمد على العنصر البشري إلى حد كبير، وهذا ما جعلها تنفرد بكونها الأقدر على تقديم حلول سريعة وقليلة التكلفة لمشكلة البطالة.  ولكنها تعجز، بطبيعتها، عن دفع أجور عالية لعمالتها بسبب كون الأجور تشكل عنصراً كبيراً من عناصر التكلفة وبسبب المنافسة العالمية.  وهذا ما أكسبها خصوصية أخرى، فهي صناعة مهاجرة، فسرعان ما ترتفع الكلف بسبب رفع الأجور مكان، فتبدأ الصناعة بالبحث عن مكان آخر أقل تكلفة.

لقد كانت صناعة الألبسة معولمة منذ عرف الإنسان التجارة العابرة للأقاليم، فقد كانت الملابس الجاهزة والأقمشة والجلود والأصواف والأقطان والخيوط والأصباغ والمواد الأخرى تُنقل عبر مسافات طويلة، وكان التكامل في الصناعة يتم بين أقاليم متباعدة بطريقة تبدو محيرة في غياب وسائل النقل والإتصال التي نعرف.

ومع هذا كان لكل إقليم صناعته الخاصة،أُشتهر وأبدع فيها دون أن تتأثر بمنافسة الأقاليم الأخرى. وفي العصر الحديث أدت قوى المنافسة إلى قتل الصناعة في أقاليم عديدة من العالم.  ومنطقتنا من بين الأقاليم المهددة.  ويبدو أن الصناعة مهددة بالرحيل، كما رحلت عن دول أخرى، مع الفارق أن صناعة الألبسة لم تأخذ دورتها الكاملة عندنا، فلم تنضج تماماً ولم تأخذنا إلى أعتاب صناعات أرقى .. ميكانيكية أو كهربائية أو إلكترونية.. 

 

هل يمكن أن نتخيل منطقتنا العربية بدون صناعة ألبسة؟.. هل يمكن أن يأتي يوم تكون فيه كل قطعة ملابس يلبسها مواطنو دولنا مستوردة من جنوب شرق آسيا او من غيرها؟. هل يجب أن نقتنع بإملاءات العولمة ونؤمن بتقسيم عمل عالمي؟. وفي هذه الحالة ما هو نصيبنا من تقسيم العمل؟. هل ترضى الدول الأوربية أن تصبح بدون زراعة مثلاً؟. وهل يمكن أن تقبل أميريكا أن تعتمد على قطاع إنشاءات مستورد؟. لآ بد من الحفاظ على صناعة الألبسة في منطقتنا من أجل خصوصيتنا .. من أجل تعزيز إستقلالنا ومن أجل الحفاظ على مئات الألوف من الوظائف والوظائف المحتملة.

ومن أجل ذلك يتوجب عمل الكثير بتضافر جهود جهات عديدة بما في ذلك تعاون القطاعين العام والخاص.  وهناك الكثير مما يجب عمله من قبل الجهات الرسمية العربية بعقد إتفاقيات ثنائية وجماعية تسهل حركة المواد والأشخاص عبر الحدود وفتح أسواق الدول العربية للمنتجات العربية وإشراك القطاع الخاص في صنع السياسات وبناء نمط جديد من العلاقات العربية.  كما يقع على كاهل الصناعة الحصة الأكبر في عملية التغيير الكفيلة ببناء قطاع ألبسة عربي متكامل قادر على تلبية غالبية إحتياجات الأسواق العربية نوعاً وكماً، بحيث لا تفرض منتجات متدنية الجودة أو باهظة الثمن على أحد، وإنما بخلق تنافسية تجعل من المفاضلة خياراً منطقياً.

 

أولاً: مزيد من اللقاءات بين ممثلي القطاع من الدول العربية المنتجة من أجل مزيد من التنسيق بين المؤسسات المنتجة والمزيد من التقارب بين صناع القرار الرسميين. وكذلك بدء التحاور مع الدول غير المنتجة للألبسة من أجل فتح أسواقها للمنتجات العربية.

ثانياً: العمل على بناء التكامل في أوساط القطاع بحيث يتم إستخدام مدخلات مستوردة من الدول العربية، مما سيشجع على الإستثمار في مجال إنتاج الإكسسوارات والمواد المساعدة الأخرى، كما سيدفع بإتجاه العمل على تطوير منتجات جديدة.

ثالثاً: تشجيع الصناعة على التوجه لإنتاج منتجات تحمل علاماتها التجارية وبتصاميمها الخاصة بها بالتطوير والتحسين والعناية بمراكز التصميم وإعطاء المنتجات هوية خاصة.

رابعاً: العمل على بناء منظومة إدارة قادرة على الإرتقاء بالصناعة وتعزيز تنافسيتها وقدرتها على البقاء من خلال العمل على :

 

1)  بناء فكر إداري وقيادي متجانس مبني على مضامين محلية قائم على الإنصاف والتراحم والعمل الجماعي والقيادة الجماعية وتوزيع الصلاحيات والعمل على تنمية المهارات القيادية والإرتقاء بالإدارة إلى مستوى القيادة.

2)  تطوير آليات صنع القرار بأشاعة نهج المشاركة والتخطيط بعيد المدى والبعد عن المزاجية والإبتعاد عن الإنحياز المسبق عند المفاضلة بين الخيارات.

3)  إشاعة علاقات صناعية إيجابية في أوساط القطاع تتمثل في تحقيق الشراكة بين أطراف الإنتاج تُشرك العمال في صنع الحلول والقرارات وتمنح المدراء صلاحيات واسعة وتعمل على تنمية روح الفريق بين العمال وتعطيهم الفرصة لتحقيق دخول عالية من خلال نظم تحفيز جزيلة مبنية على الكفاءة والجودة والإلتزام.

4)  بناء ثقافة عمل إيجابية قائمة على تقدير متطلبات العمل وإحترام الوقت ومحاربة الهدر.

5)  تشجيع ودعم الإبتكار بالتعاون مع الجامعات وبفتح المزيد من مراكز الإبداع وتكريم وتحفيز الإبداع ونشر ثقافة تشجع الإبداع.

6)  تبني سياسات تدريب أكثر نجاعة ينجم عنها عمال متعددي المهارات وإدارة وسطى واعية وملتزمة وإدارة عليا تتمتع بمهارات قيادية قوية.

7)  محاربة ممارسات العمل السلبية مثل الشللية وإستباحة المال العام والفئوية والفردية.

8)  ترسيخ مفهوم قدسية الجودة بتركيز جهود التدريب والتوعية والتوجيه لترسيخ قناعة بأهمية الجودة وبناء ثقافة تشجع على الجودة وبناء نظم قياس وتقييم وتحفيز ومكافئة.

إن التحدي الأكبر الذي تواجهه صناعة الألبسة عموماً هو الإرتفاع المحتمل للأجور. فإرتفاع الأجور يرفع التكلفة بشكل واضح بسبب كونها تعتمد على العمالة كثيراً، ويجعل تنافسيتها تتراجع.  وهذا يعالج برفع كفاءة خطوط الإنتاج وهذا يتأتى بخلق أجواء قائمة على المفاهيم المدرجة آنفاً.  كما تتعزز التنافسية بالإعتماد المتزايد على التج

 
 

 


تعليقات

لا يوجد تعليقات

الإسم 
البريد الإليكتروني (ليس للنشر)
التعليق
هل توافق على الانضمام لمجموعتنا البريدية؟
  أرسل

 

Counter