قادة لا مدراء - الفصل الخامس - إصلاح ثقافة مؤسسة قائمة
 
 


الفصل الخامس
إصلاح ثقافة مؤسسة قائمة

 

لقد حصرنا كافة مناقشاتنا لغاية الآن على مؤسسات تحت التأسيس. وقد بينا أسباب ذلك في الفصل الأول.  ولكن ماذا لو جيئ بإدارةٍ جديدةٍ الى مؤسسةٍ قائمةٍ وأرادت تغيير الثقافة وفرض ثقافةٍ جديدةٍ مستنيرة.  او حصل تحولٌ في توجهات إدارةٍ دون تغييرها، وذلك تحت تأثيرٍ خارجيٍ؛ مثل تغيرٍ في القناعات أو بناءً على إشتراط الزبائن (كما يحصل فعلياً مع الزبائن الأُوربيين والأميركان). كما يمكن أن يكون نتيجة إستفحال النتائج السيئة وتدهور الأداء العام والتوصل الى إستنتاجٍ بضرورة التغير.

في هذه الحالة يُصبح المطلوب هو إحلال ثقافةٌ مكان أخرى.  حتى لو كانت الأُخرى ثقافة اللا ثقافة – أي غيابٌ كاملٌ لأي ثقافة . والمبادرة إلى التغيير قد تأتي من مجلس الإدارة أو من الإدارة ذاتها، أي من المدير.  من أين يبدأ الشخص الداعي للتغيير والراغب به ؟. كيف يستطيع تغيير قناعاتٍ مترسخة، وأساليب عملٍ إعتاد عليها الجميع، وعاداتٍ وعلاقاتٍ وعقلياتٍ إستقرت على وضعها غير المقبول.  كيف يغير كل ذلك؟.

 

إنَّ  أول ما يتوجب فعله هو دراسة الواقع. ولا بأس من الإستعانة بأصحاب الإختصاص مثل المؤسسات الإستشارية أو مكاتب الدراسات. الذين يقومون بإعداد دراسةٍ عن واقع المؤسسة. وهذه الدراسة، التي يجب أن يتم التكتم عن أهدافها ومضمونها، يجب أن تشمل الأفراد والسلوكيات والقيم السائدة أو المفقودة لديهم والنظم بشكلٍ أساسي، مع عدم إهمال العناصر الأخرى مثل البنى التحتية كالمباني ووسائل الاتصال والنقل وكذلك وسائل الإنتاج في حال كون المؤسسة صناعية. ولا تغفل الدراسة إنعكاس الوضع الراهن على النتائج؛  الأرباح والإنتاجية والجودة والغياب والإستقالات الخ..

 

وعلى الرغم من أنني لا أذكر أني قرأت مقالةً او كتاباً يتحدث عن "بناء الثقافة" أو      " إعادة بناء الثقافة" كعملٍ نمطي، إلا أني عشت التجربتين؛ أي بناء ثقافة في مؤسسةٍ جديدةٍ وإعادة بناء ثقافة كعملٍ تصحيحيٍ في مؤسسةٍ قائمة.

والعمل على تغير ثقافة سائدة في مجتمعٍ أمرٌ معروفٌ منذ فجر التاريخ – بشكلٍ واعٍ او غير ذلك. وقد يكون هذا واضحاً، أكثر ما يكون، عقب إستلام أحزابٍ عقائديةٍ للحكم في بعض البلدان . فهي توظف كل إمكاناتها الإعلامية نحو تحولٍ متعمدٍ وممنهجٍ في الثقافة السائدة في البلد لخدمة برامجها السياسية والإقتصادية والفكرية.

وعلى صعيد المؤسسات والمنظمات فإن تغيير الإدارة غالبا ما يأتي معه تحولٌ بدرجةٍ ما في الثقافة العامة السائدة في المؤسسة.  وقد يكون التغيير طفيفاً وغير ملحوظ . وقد يأتي التغيير بصورةٍ واعيةٍ ومخططٍ لها وقد يأتي لعدم تقبل المدير الجديد لبعض الممارسات وأنماط العمل، وكثيراً ما تأتي هذة، كرد فعلٍ على تعلل كثيرٍ من العاملين، صدقاً او كذباً، بأن هذا ما كان يتبع في زمن " ابو …. ".

والسؤال الآن هو هل من الممكن أن يجلس شخص ما (قائد أو مدير) مع مجموعةٍ من مساعديه الذين يتبنون أفكاراً قريبةً من أفكاره، هل يعقل أن يجلسوا ويضعوا خطة عامة ( BLUE PRINT ) لثقافةٍ جديدةٍ يودون تطبيقها في المؤسسة . ويشرعون بفعل ذلك في اليوم التالي.  السؤال هو هل يمكن للمدخل أن يكون ممنهجاً لهذة الدرجة.؟ وهل يمكن أن يؤدي هذا المدخل الى النتائج المرجوة ؟.

 

أقول: نعم هذا ممكن شريطة:

1- أن يكون لديهم الصلاحية والقوة والإقتدار.

2- وأن يتبنوا الأدوات والأساليب المناسبة.

3- وضع أهدافٍ واضحةٍ قابلةٍ للتحقيق لعملية التغيير.

 

دراسة الواقع 

على الإدارة الراغبة والمبادِرة إلى التغيير، دراسة الواقع من خلال الإستعانة بجهةٍ خارجيةٍ أو بدون ذلك، من أجل فهم الواقع ومعرفة مدى الحاجة الى التغيير ومواطن الخلل. وقد يقول قائلٌ هل تحتاج الإدارة الراغبة في تغيير الواقع الى دراستة، فهل يمكن أن تكون إتخذت قرار التغيير دون فهم هذا الواقع. والحقيقة أنَّ الفهم العام لا يكفي.  وبالتالي فالمطلوب دراسةٌ علميةٌ وموضوعية، تكشف مواطن الخلل وتُحلل أسبابة وتعين على وضع الحلول المناسبة له. وهذه الدراسة يمكن أن  تتركز على الأبعاد التالية:

 

1-     النتائج غير المقبولة في الأداء:  مثل إنخفاض الأرباح وتدني الكفاءة الخ..

2-     بيئة العمل: مثل إنعدام الإنسجام بين العاملين وغياب روح الفريق الخ..

3-   القيم والعادات والمفاهيم السلبية السائدة : الفردية والشللية الخ..

4-   القيم واالعادات والمفاهيم الايجابية المفقودة : التعاون والاخلاص في العمل الخ..

5- النظم والقوانين : عدم وجود نظمٍ وتعليماتٍ تغطي كافة نشاطات المؤسسة وعدم إحترام النظم ووجود معايير متعددةٍ لتطبيق القوانين الخ. .

 

والنتائج من أهم موجبات التغيير.  وفي مقدمتها النتائج المالية.  وفي نظر الكثيرين تُعتبر النتائج أهم، وتُغني عن ضرورة النظر الى مقاييس الأداء الأُخرى.  وهذا إنْ لم يكن خطأً بالمطلق، فهناك حالاتٌ تستوجب النظر الى أبعد من النتائج المالية ولو كانت جيدة، لأن هناك ما يُشير الى أنَّ هذا الواقع مؤقتٌ وأنَّ القادم أسوأ.  فهناك مؤسساتٌ تُحقق أرباح، ولكن هناك مؤشراتٌ كثيرةٌ تُشير الى أنَّ الوضع سيتغير للأسوأ، وهذا يستوجب تحليل الأسباب من أجل إجراء تغييراتٍ تُوقف التدهور وتُعيد الأُمور الى نصابها.

ومن أهم المؤشرات في المؤسسات الصناعية الكفاءة والجودة والتكلفة.  كما أنَّ عوامل أُخرى مثل المرونة  في تحويل خطوط الإنتاج والقدرة على توريد الطلبيات بسرعةٍ قد يكون لها دوراً مصيرياً في بعض الصناعات.

 

كذلك اذا إرتفعت نسبة الهدر في المواد الداخلة في الإنتاج عن حدٍ معينٍ في مؤسسةٍ صناعيةٍ قد يصبح هذا العامل تهديداً لإستمرارها.  كما أنَّ كثرة الإستقالات وكثرة الغياب يُعتبر مشكلةً تستوجب الدراسة والدعوة للتغيير.

وعموماً تُؤسَسُ المؤسسات على أنْ تُحقق نتائج محددة، فاذا ما إنحرفت عن هذه النتائج نقصاناً، فهذا يعني وجود مشكلةٍ تستحق البحث.  وغالباً ما تستدعي النتائج السيئة المستفحلة الى تغيير.غالباً ما يكون هذا التغيير مقتصراً على تغيير المدير.  الا أنَّ الملاحظ أنه في كثيرٍ من الحالات لا يتغير الواقع كثيراً، لأنَّ ثقافة المؤسسة وتقاليدها المهنية بقيت كما هي.  ولذلك فإنَّ التغيير يجب أنْ يشمل كل ما يستوجب التغيير؛ سواءاً كان شخصاً او نظاماً او أُسلوب تعامل او مجموعة أهداف.

في محاولةٍ لوضع قائمةٍ بالقيم والعادات والمفاهيم الإيجابية والسلبية، توجهنا بالسؤال إلى أكثر من خمسة عشر مدير إنتاجٍ عن القيم التي يودون أن ينشروها والأخرى التي يودون القضاء عليها في حال قاموا بتأسيس مصنعٍ جديدٍ يكونون مسؤولين عن تأسيسه : فكانت الحصيلة الجدول التالي:

 

القيم والمسلكيات السلبية

القيم والمسلكيات الإيجابية

اللامبالاة وعدم الاهتمام بالعمل

1- المشاركة في القرارات

الغياب والتأخير

2- الصدق والصراحة

السرقة

3-التعاون وتعزيز الروابط الاجتماعية

عدم التقيد بالتعليمات

4- العدل

الكذب والغش وخلق الاعذار

5- التعبير عن الآراء بصراحة

الاشاعات الهدامة

6- الأخلاق الحميدة

الشللية والعنصرية

7- المنافسة الشريفة

المحسوبية

8- العمل بجد واجتهاد

الفوضى

9- احترام الوقت

الركود الفكري

10- اتقان العمل

المراءاة والوصولية

11- حب العمل

محاربة الإدارة المركزية

12- احترام القرارات

كثرة الاجتماعات التي تفقدها معناها

13- استغلال الوقت

عدم وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب

14- التحفيز

التسليم وعدم المحاولة

15- النظافة

المزاجية والتسلط

16- الشعور بالمسؤولية

الحقد والحسد

17- الراحة النفسية للعاملين

عدم الشعور بالامان

18- الاحترام

عدم تقبل النقد

19- الطموح

استغلال التعاون والرحمة والرد بالتمادي

20- نشر الوعي والثقافة العمالية

الرضى بالقليل من النجاح وعدم الاكتراث لزواله

21- جو أسري مع المحافظة على الأداء

المغامرة غير المدروسة

22- التواضع

عدم تحمل المسؤولية

23- اعطاء الحقوق

عدم الالتزام

24- روح الفريق الواحد

التحسس الشخصي

25- ثقة المسؤول بموظفيه ومتابعتهم عن بعد

التزمت بالرأي

26- التنسيق الصحيح والمدروس

النظرة المادية البحتة

27- الاتصال السليم

الظلم

28- الايمان بالذات والعمل

الفردية

29-

 

وهذه ليست جميعاً قيم إنما عاداتٌ شخصيةٌ ومهنية.

 

الواقع المطلوب الوصول إليه

بعد دراسة الواقع (المتردي) للمؤسسة يتوجب وضع صورةً لواقعٍ جديدٍ يُراد الوصول إليه .   تنطوي هذه الصورة على إصلاح جميع الجوانب السلبية في الصورة القائمة حالياً.

1-    نتائج الأداء أهداف خطة التغيير

يُحدد لخطة التغيير عدداً من الأهداف ( Targets ) للوصول اليها ضمن جدولٍ زمنيٍ محددٍ وتتعلق بالأداء العام بجوانبة المختلفة، ومن واقع الدراسة المعدة.  ونذكر من هذة الأهداف الأمثلة التالية:

·        " رفع حجم المبيعات الى مليون دينار شهرياً خلال سنة".

·        " تحسين الجودة الى مستوى 4% AQL خلال ستة أشهر".

·        " رفع كفائة خطوط الإنتاج الى 80% مع نهاية العام ".

·        " تخفيض تكلفة القطعة الى... خلال ثلاثة أشهر ".

·        " خفض معدل الهدر الى نسبة... خلال ثلاثة أشهر".

 

وأهدافٌ أُخرى كثيرةٌ يمكن تحديدها والعمل على تحقيقها؛ مثل خفض نسبة الاستقالات الشهرية وخفض نسبة الغياب وأُمورٍ أُخرى.

وهكذا تُحدد أهدافٌ مرتبطةٌ بإطارٍ زمنيٍ لتحقيقها، مختارةٌ بناءٌ على الدراسة المعدة والمتضمنة لأوجه الخلل في الأداء العام.

فإذا كان لدينا  شركةٌ لا تُحقق أرباحاً، فيكون الهدف الأول لخطة التحسين هو التحول إلى الربح، وإذا كان هناك شركةٌ تشكو هدراً في المواد، من بين مشاكل أُخرى، فإنَّ من بين أهدافها القضاء على الهدر، أو خفض ه   وهكذا..

وكذلك سيساعد كثيراً وجود شعارٍ لمرحلة التغيير.  بحيث يُشَجَّع العاملون، أثناء الحملة، على تبني هذا الشعار وترديدة وإستيعاب مضمونة وأهميتة. 

 

2- القيم والمسلكيات والعادات المراد الخلاص منها والتي يراد فرضها

الخطوة التالية تتمثل بتحديد أبعاد ومعالم التغيير، وذلك بناءً على الدراسة المعدة.   بتحديد العادات المهنية وغير المهنية المُراد إجتثاثها وإستبعادها من أوساط العاملين.  وكذلك العادات الحميدة التي يُراد زرعها والحفاظ عليها وتنميتها في أوساط العاملين.  أي تنمية القيم الإيجابية ومحاربة وإجتثاث القيم السلبية.

وبدايةً، هناك عددٌ من القيم والعادات التي ينبغي على الإدارة العليا تبنيها حتى تصبح جزءاً من سياسات الشركة وتنطبع بها؛ مثل العدل بين الموظفين، إعطاء العاملين كامل حقوقهم وربما إشراك العاملين بالأرباح وإعطاء الفرص للعاملين وخاصةً الجدد منهم ( أي عدم الإسراع بالحكم وفقدان الأمل ) والتشاور مع المراتب الإدارية الأدنى وتقبل التغذية العكسية وإنْ جاءت على شكل نقدٍ او إقتراحاتٍ غير حرفية في قالبها والرجوع عن الخطأ وتشجيع الإبداع والمشاركة والإنفتاح المعلوماتي بين العاملين وإعطاء صلاحيات أوسع للإداريين في المواقع المختلفة الخ..

وهذا يشير بوضوحٍ الى أنَّ الإدارة لا ينحصر دورها بالتوجية والمتابعة، إنما مطلوبٌ منها أن تتغير هي نفسها فعلياً وأنْ تقود عملية التغيير مُقَدِّمَةً المثل والقدوة للآخرين.

 

وبالرجوع الى الجدول الموجود في الصفحات السابقة، والى التجارب فإن هناك عدداً كبيراً من القيم الإيجابية والعادات الجيدة التي يتمنى كل شخص أن تسود في المؤسسة التي يعمل بها.  إلا أن هذة القائمة طويلةٌ بعض الشيء، وللتسهيل، ينبغي إ عداد قائمةٍ قصيرة، منتقاةٍ من واقع مشاكل المؤسسة بحيث تُشكل علاجاً للحالات السائدة في أوساطها. فإذا كانت، وبناءً على الدراسة، ومن خلال التجربة، تتفشى أجواء التآمر والنميمة والإشاعات في أوساط المؤسسة، فإنه يجب وضع القيم والسلوكيات المراد بثها للقضاء على هذة المسلكيات السلبية في مقدمة الأولويات؛ كإشاعة الطمأنينة بين العاملين على أوضاعهم الوظيفية وإشاعة المودة بينهم.

وفي مجال التعامل مع الجسم العام للمؤسسة، أي مع كافة العاملين، فأقترح العمل بطريقة الوصفة. فكما يكتب الطبيب وصفةً لمريضه فيمكن إعداد وصفةً من قبل المدرب/الإستشاري او من قبل المدير الذي يقود عملية التغيير.  وتتضمن الوصفة عدداً من السلوكيات والقيم المُراد التأكيد عليها. وذلك إنطلاقاً من واقع المؤسسة. مثل:

·           الصدق مع النفس والآخرين،

·           تقبل النقد.

·           تشجيع الزملاء على مساهماتهم وعطائهم .

·           البعد عن المزاجيه.

 

ولو ندقق بهذة التغييرات الأربعة، القليلة في عددها، الكبيرة في مضامينها، نجدها تُغطي مساحات واسعة تتضمن قيماً وسلوكيات وعاداتٍ عظيمةٍ جداً، تفتح الباب واسعاً لثقافة مستنيرة.

وقد لا نضمن النتائج نفسها لو كانت قائمة التغييرات طويلةً، ويُضاف إليها كل يومٍ شئٍ جديد.


3 - النظم والقوانين الإيجابية

ضمن المسعى الهادف الى تغيير ثقافة المؤسسة لا بد من إجراء تعديلاتٍ على النظم والقوانين المعمول بها في المؤسسة، بحيث تدعم الثقافة المستنيرة القائمة على عمل  الفريق والبعد عن الإنغلاق وتفشي الثقة.  وهذا يتطلب تعديل النظم التي لا تخدم هذه التوجهات، بحيث لا تقف عائقاً أمام تجسيد أساليب العمل المنشودة.

و بشكلٍ عام، تُشكل النظم والقوانين جزءاً من ثقافة المؤسسة، وبالتالي يُفترض أنْ تكون منسجمةً معها. فلا يُعقل أنْ تكون هناك قوانين ونُظمٍ تُقيد حركة العاملين وقدرتهم على الإبداع في جوٍ يُفترض أنْ تسودة الأريحية. 

وعموماً يجب أنْ تتسم التعليمات في المؤسسة المستنيرة بإحتوائها على هامش حريةٍ معقولٍ، بحيث تُشكل إحتراماً لعقل وقدرة الموظف على التصرف. فهي تُحدد الإتجاة العام للحركة وتضمن خلو المسار من العراقيل الإدارية والقانونية.  إنَّ المؤسسة المستنيرة ليست مؤسسةً بيروقراطية، وبالتالي فإن قوانينها ونظمها وتعليماتها مصممةً بحيث تضمن ذلك. فيجب الغاء كافة التعليمات ( والسياسات ) التي تحد من حركة المعلومات بين الأقسام ومن التعاون فيما بينها.

إن قوانين المؤسسة المستنيرة قائمةٌ على أساس الثقة بالإنسان وعلى إفتراض أنة صادق.  وهذا إفتراضٌ ليس ساذجاً، مع العلم أنَّ هناك في عالمنا الكثير من الكذابين. إنَّ هذا الإفتراض يقلل منهم.

 

  4- بيئة العمل

ولبيئة العمل نصيبها من التغيير.  سواءٌ كان المقصود البيئة المحسوسة مثل النظافة والتهوية ( والتدفئة والتكييف ) والإنارة والترتيب العام الخ.. فإن تحسناً في هذا المجال يرافق التغييرات الاخرى يساعد كثيراً على إتمام المهمة الكبيرة. او كان المقصود أنماط التعامل السائدة بين العاملين وطبيعة العلاقات القائمة بينهم وأساليب العمل الدارجة والمطلوب تحسينها بحيث  تسود الأريحية  والود بين العاملين.  كما يعتاد العاملون على عمل الفريق بحيث يُكَمِّلوا بعضهم البعض.  وهذة البيئة تستطيع الإدارة فرضها بدون صعوبةٍ كبيرة.

 


خطة التغيير  الأدوات والأسلوب

 

وحتى تتم عملية التغيير بصورةٍ مدروسةٍ وعلميةٍ وتضمن النتائج المبتغاة، يتوجب وضع خطةٍ متكاملةٍ ومعدةٍ بعنايةٍ بالتشاور مع دائرةٍ ضيقةٍ من إدارة المؤسسة، وربما إستوجب الأمر الإستعانة بجهةٍ إسشاريةٍ خارجية، وفي جميع الأحوال يجب توخي السرية أثناء إعداد الدراسة وأثناء التنفيذ، وعدم إطالة فترة الدراسة، لعدم إعطاء المجال للتقولات والإشاعات.

وللتغيير المنظم والممنهج كذلك، أسلوبه وأدواته حتى يكون مؤثراً وفاعلاً. وإذا ما أُسيء إستخدام الأسلوب والأدوات، فإن المؤسسة قد تدفع ثمناً غالياً يصعب تعويضه، ولا تحصل على التغيير المبتغى.  ولهذا يجب وضع خطةً للتغيير، وتبني عددٍ من الأدوات والأساليب المناسبة لوضع هذة الخطة موضع التنفيذ.  وفيما يلي إستعراضٌ لبعض الأشكال التي يمكن أن تسلكها الخطة وكذلك ذكر بعض الأساليب والأدوات الممكن إستخدامها، مدرجةٌ حسب مواطن التغيير:

 

الهيكل التنظيمي

 

والهيكل التنظيمي او التركيبة الإدارية لة الأهمية القصوى في عملية التغيير؛ فخطة التغيير قد تشمل تعديلاتٍ على الهيكل التنظيمي نفسة، " بضغطة افقياً او عمودياً" حسب الحاجة.  وكذلك إجراء تعديلاتٍ على المرجعيات الادارية chain of command وكذلك نقل او إسقاط أشخاصٍ من التركيبة.

 

 

الوصف الوظيفي

 

ثم قد  تتضمن الخطة تغييراتٍ على الوصف الوظيفي لبعض الإداريين.  وهذا يعني نقل صلاحيات ومسئوليات من موقعٍ وظيفيٍ الى آخر.  وقد يكون في ذلك إصلاحاً كبير.  ومن الأمثلة على ذلك، في المؤسسات التجارية، ترك صلاحية التوريد الى زبونٍ معينٍ في يد المبيعات بدل أن تكون في يد الإدارة المالية على شكل فيتو. او أنْ تكون صلاحية صرف موادٍّ لخط إنتاج في مؤسسةٍ صناعيةٍ بيد إدارة الإنتاج بدلاً من التخطيط.

 

الإدارة العليا

بناءاً على الدراسة المعدة، فغالباً ما يكون هناك إشارةٌ الى عددٍ من الإداريين الذين يصعب تغييرهم، او يحتاجون الى وقتٍ طويلٍ لتقبل وتبني الثقافة الجديدة، او ربما – وهذا الأخطر - يُتوقع منهم مقاومة التغيير المزمع إجرائه.  ويُنصح بإقصاء هؤلاء لدى الإعلان عن خطة إعادة تنظيمٍ شاملة، وذلك بنقلهم او إعطائهم إجازاتٍ طويلةٍ او غير ذلك.

 

المدير

 

يُعتبر المدير قائد عملية التغيير.  ولا يمكن أنْ ينجح دون أنْ يتغير فعلياً ويؤمن بالثقافة الجديدة.  والمتوقع منه -  قبل أنْ يعمل على نشرها- أنْ يمر من خلال "تحول في الشخصية"        

( Personality Transformation ) كما وصفها الدكتور ديمنج.  فيجب أنْ يتصف بالتواضع والإستعداد وأنْ يكون قريباً من الناس ويستمع إليهم ويتقبل آرائهم. كما يجب أنْ تكون لديه سعة الصدر والقدرة على تقبل النقد والتراجع عن الخطأ.  كذلك يجب أن يتمتع بثقافةٍ عاليةٍ نسبياً ومهاراتٍ إداريةٍ جيدة.  والقدرة على النظر الى المستقبل وإمكاناته بحيث يعي تماماً الى أين تسير مؤسستة او الصناعة التي تنتمي إليها.  كما يجب أن يُعِد نفسه لهذه المرحلة التي يُصبح فيها القائد والمعلم والمدرب  Coach .  والإعداد يتم بمزيدٍ من القراءة والتعلم والإستعانة بأصحاب الإختصاص. كذلك بالإعداد الجيد للقاءات والإجتماعات والمحاضرات، تماماً كما يفعل الأُستاذ قبل أن يدخل غرفة الدرس.

فحتى لو كانت لدية الرغبة القوية في إحداث التغيير، فلا يعتبر هذا كافياً اذا لم يتغير هو نفسة، وربما إحتاج الى أنْ يُدرك الآخرون ويعون مدى هذا التغير والتحول في مديرهم – وقائدهم- الأمر الذي يُشكل بادرةً حسنةً وقدوةً يحتذى بها. وهذة بحد ذاتها أداة من أدوات التغيير.

 

 معاوني المدير

 

وهنا المقصود مدراء الأقسام والدائرة الصغيرة من الإداريين الذين يعملون مع وحول المدير.  ويتوقع منهم لعب دورٍ مكملٍ للمدير العام ومتماشٍ معه من ناحية طرح وإشاعة المفاهيم الإيجابية ومتابعة ممارسة المسلكيات المنبثقة عن هذه المفاهيم.  كما عليهم أنْ يكونوا القدوة الصالحة لغيرهم من الإداريين والعاملين،  ويبادروا الى التخلص من بعض المسلكيات السلبية والمبادرة الى تبني عاداتٍ مهنيةٍ وشخصيةٍ حميدة.  وهم، مثل المدير العام، عليهم مراقبة تصرفاتهم بعنايةٍ وخاصةً أثناء مرحلة التحول.

فاذا كان المدير قدوة كفرد، فهؤلاء ( مع المدير ) قدوة كجماعة.  ولذلك يجب أن يشكلوا فريقاً متماسكاً، يساند بعضة بعضاً ويسعى الى إيجاد الحلول سوية. كما يطلعون بعضهم البعض على أوضاعهم.  ويتمتعون بصلاحياتٍ واسعة، بحيث يبدو كلٌ منهم في نظر فريقه قائداً كبيراً.  كما يتقنون قواعد الإختلاف مثلما يتقنون قواعد الإتفاق. فهم يُكمل أحدهم الآخر ويحترمون بعضهم، ويقدرون أفكار وطروحات بعضهم.  وهم بذلك يشكلون النموذج الذى يجب أن يُحتذى به لدى فرق العمل بمستوياته الإدارية المختلفة.

 وقد يشكلون وبالتعاون مع المدير العام من أنفسهم جهاز متابعةٍ لقياس التقدم في التحول في ثقافة المؤسسة، وفي الإقتراب من الأهداف الموضوعة، يجتمعون إسبوعياً او كلما دعت الحاجة.  وبهذا يستطيعون التحكم ب"الجرعات الثقافية"، إن صح التعبير، المقدمة لكل مجموعةٍ من العاملين.

 

 

بقية الطواقم الادارية

 

ولا يقل دور بقية الإداريين اللذين يتكونون من الإدارة الوسطى والإشرافية وجزءٍ من الإدارة العليا أهميةً.  فدورهم كبير.  فهم الوسيط الناقل ( Propagation Medium ) للأفكار الجديدة.

كما أنهم من جانبٍ، يجب أن يكونوا مقتنعين، ومن جانبٍ آخر أن يكون لديهم الإستعداد والقدرة على تقديم هذه الأفكار الى فرقهم بشكلٍ مقنع.  إلا أنه يجب أن لا يُفهم من هذا أن مهمة التحدث مع الفريق تُناط بالمشرفين فقط.  فالطريقة الأنجح أن يستمع جميع العاملين من المدير القائد في إجتماعٍ عام.  ثم يتلو ذلك إجتماعات في الأقسام المختلفة، يتحدث فيها إداريون من مختلف المراتب عن نفس المواضيع والأفكار كلٌ بطريقته الخاصة، مفصلاً ومختصراً حيثما ارتأى ضرورةً لذلك.

كما أن هناك قدراً كبيراً من التحول مطلوبٌ أنْ يجري في داخل كل فردٍ من هذه الفئة وكذلك بالفئة كلها كمجموعات.  فيجب أن يتخلقوا بأخلاق وآداب وأساليب العمل الجماعي.  كما يجب أن يُمنحوا مزيداً من الصلاحيات. ومزيداً من هامش الحرية و" المناورة".  وأن يتقنوا أُسلوب المشاركة كنمط عمل.

 

 

العمال

 

ترشح الأفكار والمفاهيم والأساليب الجديدة المطروحة الى أن تصل إلى العمال.  الذين قد يستغرق إقناعهم وقتاً أطول لأنهم ليسوا مضطرين الى المجاملة والتظاهر بالأقتناع، وكذلك لكثرة عددهم نسبياً.  ولكن اذا ما تم "كسبهم" فإن ذلك يعني أن الثقافة الجديدة أصبح لها جذور.  وأنها جاءت لتبقى.

وبالنسبة لفئة العمال فهناك عددٌ أقل من المفاهيم التى يتوجب إشاعتها على أهميتها، وذلك مثل الإنتماء العميق والسلوك الجيد والإنضباط والإستعداد لتطوير المهارات الذاتية والإقتناع العميق بأهمية الجودة في الإنتاج والوعي بأهمية رفع الإنتاجية والحفاظ على المواد والمكائن والإستعداد للعمل لساعاتٍ أطول وعدم التغيب عن العمل إلا في الحالات الضرورية والتعاون مع الآخرين.  

من الخطأ أخذ العمال على أنهم متلقين فقط، فبعد تعمق هذة الثقافة لديهم يصبح لهم دورٌ في تصحيح الإنحرافات لا يستهان به.  وقد يتحولوا الى الضمانة الأكبر في الحفاظ على هذة الثقافة.

 


النظم والقوانين

 

لقد تتطرقنا إلى أهمية موائمة النظم والقوانين لمتتطلبات الثقافة المستنيرة، ولهذا يجب أن تشمل خطة التغيير بعض التعديلات على بعض النظم والقوانين، بحيث تُسهل إجراء التغييرات المنشودة وتزيل العوائق من طريق إقامة ثقافة جديدة. فقد يكون نظام او مجموعة أنظمة هي المسئولة عن تدني الأداء العام.

المنتجات

في كثيرٍ من الحالات قد  يمتد التغيير الى إعادة النظر في سلة المنتجات التي تنتجها المؤسسة اذا كانت صناعية، او تتجر بها اذا كانت تجارية، او سلة الخدمات التي تقدمها اذا كانت مؤسسةً خدمية.  فقد يكون تنوعها – او عدم تنوعها – كثرتها – او قلتها – من أهم الأسباب التي دعت الى التغيير.  ولذلك إستوجب الوضع إعادة النظر بهذة التشكيلة.  وذلك بإلغاء منتجاً او أكثر، او إضافة منتجاً او أكثر.

 

الزبائن

و كذلك بالنسبة للزبائن، فكثيراً ما ينطبق قانون باريتو على بعضٍ منهم بحيث يتطلب 20% منهم 80% من الجهد المبذول لخدمة الزبائن والحفاظ عليهم.  مما ينجم عنة تدني الخدمة بشكلٍ عام، وزيادة شكاوى الزبائن جميعاً.  وهذا وضعٌ يجعل من عملية الإصلاح والتغيير أكثر صعوبة، الأمر الذي قد يستوجب إيقاف التعامل مع بعض الزبائن المتعبين – الذين لا يسددون إلتزاماتهم المالية بموعدها والذين يتراجعون كثيراً عن إلتزاماتهم التعاقدية الخ..

 

التسعير

في كثيرٍ من الحالات  تستتلزم عملية التغيير إعادة النظر بالسياسة التسعيرية للمؤسسة.  فكثيراً ما تقع مؤسسة ما ضحيةً لسياسةٍ تسعيريةٍ خاطئة.  وبغض النظر عن إذا ما كانت السياسة التسعيرية للمؤسسة سبباً مباشراً للوضع القائم فيها، والذي يستوجب التغيير، فالأمر يستدعي المراجعة والنظر في إمكانية وضرورة إجراء تعديلات.  

 

التوزيع/التحصيل

يعتبر توزيع البضاعة على الزبائن، سواءاً في المؤسسات الصناعية أم في المؤسسات التجارية، نشاطاً أساسياً يؤثر الى حدٍ بعيدٍ على الأداء العام للمؤسسة.  ولكي يكون فعالاً ويؤدي الى نتائج مرضية.. أقلها رضا الزبائن، يجب أن يكون منظماً وخاضعاً لنظام رقابةٍ دقيق.  ولا بد من مراجعتة من فترةٍ إلى أُخرى، لإجراء بعض التعديلات.  ولكن ضمن عملية التغيير الشاملة، ربما إستدعى الوضع مراجعةً أعمق؛ فربما لجأت المؤسسة إلى بعض الوكلاء للقيام بعملية التسويق وبالتالي التوزيع بشكلٍ كاملٍ او جزئي.

و الأمر ينطبق على كيفية التحصيل، فربما يحتاج الأمر الى إعادة النظر في كيفية تحصيل أثمان المبيعات.  مثل التحول الى البيع  النقدي فقط، او عدم قبول شيكات مؤجلة او مجيرة الخ.. فهذة الأُمور يجب أن تكون واضحةً وتنسجم مع سياسات المؤسسة بشكلٍ عام. 

 

الشحن/التوريد

يُعتبر الشحن بالنسبة للمؤسسات الصناعية التي تقوم بتصدير منتجاتها الى دولٍ أجنبية، والتوريد بالنسبة للمؤسسات التي تستورد المواد الأولية لصناعتها– او بضائعها التي تتجر بها- عاملاً هاماً يساهم في صنع نتائج المؤسسة سلباً أم إيجاباً.

وفي عالم اليوم المتغير، يصبح هذا العامل – أي مدة إنجاز الطلبية من وقت فتح الإعتماد او إعتماد طلب الشراء الى وقت وصول البضاعة كاملةً - أكثر خطراً وأكثر أهميةً؛ حيث أصبح هذا العامل ( Lead time ) عنصر منافسةٍ لا يقل أهميةً عن عناصر المنافسة الأُخرى مثل السعر.

لهذة الأسباب يتوجب عند وضع خطة تغيير، أنْ لا تخلو من مراجعةٍ لنظام الشحن، أو ربما تغيير وكيل الشحن إذا ما كان هناك ما يدعو الى ذلك، أو ربما تغيير المصادر والمسارات لتقليص المدة.  وتكلفة الشحن من العوامل المهمة التي ينبغي الرجوع اليها من فترةٍ الى أُخرى في محاولةٍ لتخفيضها.

ومن الأُمور الحيوية في هذا السياق، التوصل الى الحد الأدنى من المخزون المتوجب الإحتفاظ بة في المخازن من المواد الأولية، بحيث يتم طلب كميةٍ محسوبةٍ عند بلوغة والعمل على هذا الأساس بشكلٍ دائم.

 

خطوط الانتاج

إن تصميم خطوط الإنتاج من العوامل الهامة التي تساعد على رفع الكفائة وبالتالي الحصول على نتائج أفضل.  ولذلك يتوجب إعادة النظر بتصميمها من فترةٍ لأخرى سعياً وراء التحسين، وخصوصاً في بعض الصناعات مثل الألبسة، حيث لا يكلف التغيير كثيراً.  ولهذا السبب يجب أن تتضمن خطة التغيير في المؤسسات الصناعية إعادة تصميمٍ لخطوط الانتاج، بشكل يضيف تحسيناً آخر وتسهيلاً على الأداء العام. 

 

حركة المواد

وحركة المواد داخل مؤسسةٍ صناعية؛ أي من المستودع الى خطوط الإنتاج وضمن خطوط الإنتاج في مراحلة المختلفة، تساهم في صنع الكفائة الكلية لخط الأنتاج، سلباً وإيجاباً.  ولذلك يجب إدراجها ضمن خطة التغيير وحيثما يستوجب الوضع.

 

مصادر المواد الاولية: الاسعار وطريقة الدفع

وعلى الرغم من أن قرار إعادة النظر في مصادر المواد الأولية يُعتبر قراراً تجارياً بحتاً، إلا أنة لا بأس أن تشمل خطة التغيير مقترحاتٍ وتوصياتٍ تنصح بدراسة مصادر بديلة لغاية الحصول على عروضٍ أفضل وتحسين شروط الدفع والتوريد.  وفي بعض الحالات قد يكون التوريد المتأخر دائماً، وتدني جودة المواد الأولية من أهم أسباب تدني الأداء العام في المؤسسة، عند ذلك يأخذ التغيير في هذا المجال أولوية ولا يعود التوجة بإتجاة التغيير مجرد توصية.

وعموماً فتبني ثقافةٍ إيجابيةٍ في المؤسسة يفرض نظماً علميةً حديثةً في التعاطي مع كثيرٍ من جوانب النشاط العام؛ مثل التوريد في الموعد ( Just in time ) الذي أصبح شائعاً في كثيرٍ من الصناعات في دولٍ كثيرة.  وهذا النمط الذي يَفترض وصول المواد عند الحاجة اليها بدون تأخيرٍ ولا حتى تقديم، يتطلب وجود ثقافة مؤاتية لدى هذا المورد تمكنة من ضمان الإلتزام بمواعيد التوريد في كل الحالات.  وهنا لا بد من البحث والتقصي عن هذا النوع من الموردين. 

 

الأدوات والأساليب

وللتغيير الناجح أدواتة وأساليبة.  ويُقاس النجاح هنا بمقدار القدرة على إيصال الرسالة الى متلقيها المفترضين. كما يُقاس النجاح  بإنعدام الفشل، والفشل يقاس بمقدار الخسائر الناجمة عن عملية التغيير، والتي غالبا ما تكون بشرية ومادية؛ البشرية على شكل إستقالات وإنهاء خدمات – وحالات إحباط في أوساط المؤسسة ناجمة عن التطبيق السيء لعملية التغيير، والمادية نتيجة تراجع دخل المؤسسة.  فمن المعروف أن الأداء العام يتراجع أثناء هذة المرحلة، وهذا ينجم عنة تدني ملحوظٌ بالدخل وبالتالي دفع ثمناً لا يستهان بة.  ولهذا ينبغي أن لا تطول هذة المرحلة كثيراً.

ومن أجل ضمان افضل النتائج، ينبغي تبني الأساليب والأدوات المناسبة لإحداث عملية التغيير على أفضل وجة:   

 

الإجتماعات العامة

تعتبر الاجتماعات العامة أداة توعيةٍ وتواصلٍ مؤثرةٍ جداً.  ففيها يُخاطب عددٌ كبيرٌ من الأفراد بنفس الوقت وبذات الخطاب، وفي هذا توفيرٌ للوقت وتوحيدٌ للطرح.  ولكي يضمن المترئس للإجتماع أفضل النتائج علية أن يُعد جيداً للإجتماع وأن يستذكر ما طرح في إجتماعاتٍ سابقةٍ من مواضيع ونقاشات، حتى يكون خطابة متماسكاً، ولا يناقض نفسة ويقلل من التكرار. 

 

الإجتماعات الفردية

و كثيراً ما تكون الإجتماعات الفردية ( One on one )  هي الخيار الوحيد، مثل حالة الرغبة في إقناع شخصٍ محددٍ بتوجةٍ معينٍ او بالإبتعاد عن ممارسةٍ معينة.  وبسبب خصوصية هذا النوع  من الإجتماعات، والتي تنم عن إهتمامٍ خاص او وضعية خاصة، فإنها تُعطي نتائج أفضل، إلا أنها تكلف وقتاً أكثر.

 

المادة المكتوبة التعاميم

للتعاميم المطبوعة والموزعة على أصحاب العلاقة تأثيرٌ كبيرٌ جداً، إلا أن كثرتها تقلل من تأثيرها وكذلك يفعلُ طولُها. و من الضروري مراعاة عدم مناقضة بعضها البعض في الطرح وإنسجامها الكامل مع الخطاب العام للمؤسسة. كما يجب مراعاة الدقة في التوزيع؛ فلا تصل الى من لا تعنيهم ولا تحجب عن أيٍ من أصحاب العلاقة.

البريد الالكتروني

يُعتبر البريد الإلكتروني وسيلة إعلامٍ لا يُستهان بها على صعيد المؤسسات الإقتصادية، وخصوصاً اذا ما كان  البريد الإلكتروني منتشراً ومعتمداً كوسيلة إتصال وتواصل.  فمن المفيد للغاية أن يرسل المدير رسالةً معممةً على عددٍ من الأشخاص مؤكداً على ضرورة إتباع التعليمات عند إعداد شحنة صادر، على سبيل المثال. او ضرورة التقيد بعقد إجتماعات التحضير للإنتاج ( Pre-production meeting ).  او تقدير أداء أحد أعضاء الفريق الخ..

الندوات

واالندوات شكلٌ آخرٌ من الإجتماعات العامة، إلا أنها تتضمن نقاشاً أوسع وغالباً ما يكون هناك أكثر من متحدث.  وهي وسيلةٌ فعالةٌ جداً لإشاعة التواصل وتوحيد المفاهيم وتعميق القناعات.  كما يجعل الحوار ثنائي الإتجاة  وليس خطاباً من طرفٍ واحد، وبالتالي يُجسر الفجوة التواصلية ( Communication gap ) بين الفئات المختلفة في المؤسسة.  والندوات ايضاً، بحاجةٍ الى الإعداد الجيد وتحديد خطوطٍ عريضةٍ للنقاشات، وربما تُعقد تحت شعارٍ محدد.

 

ورش العمل

وتُعتبر ورش العمل ( Workshops ) خطوةً متقدمةً عن الندوات، إلا أنها عادةً ما تستغرق وقتاً أطول وتنبثق عنها لجانٌ وتوصيات، وتأخذ الطابع التدريبي، وبالتالي فهي تُنَظَّم تحت إشرافٍ مختص.  تُستخدم فيها وسائل مُساعدة، وتمارين عملية تتضمن بعض المحاكاة.

 

الخلوة ( Retreat )

وهي دعوة جميع أو معظم أفراد إدارة المؤسسة العليا والوسطى الى مكانٍ بعيدٍ نسبياً عن جو العمل للبحث في أوضاع المؤسسة.

وهنا أقترح الخلوة كأداةٍ من أدوات التغيير، وذلك لكي تكون المكان الذ ي يُبَلَّغُ فيه العاملون ببرنامج التغيير المزمع تنفيذه، وليس هذا فقط وإنما البدء بالتعرف على الثقافة الجديدة والتدرب على أساليب العمل المتفرعة عنها، وذلك بمساعدة مدربٍ محترفٍ إنْ أمكن.

وعادةً ما تدوم الخلوة يومين أو ثلاثة، يُتوقع أن يعود الفريق الى العمل بعدها، وقد إنفتح على قناعاتٍ جديدةٍ تساعده خلال الأسابيع والأشهر التالية على أن يكتسب ويعتاد على العادات الجديدة ويتحلى بسلوكيات المؤسسة المستنيرة.

والفكرة من تنظيم الخلوة في مكانٍ بعيدٍ عن العمل لمزيد من التركيز على النقاشات والبعد عن الأعباء النفسية الناجمة عن تسيير العمل ونتائجة.

وعموماً هذة أداةٌ فعالةٌ جداً ومكلفة.  ومن أجل ضمان إستمرار حالة الحماسة التي غالباً ما تنجم عن الخلوة، يُستحسن ان يتم تشكيل آلية متابعةٍ لأهداف حملة التغيير التي نوقشت في الخلوة، على شكل لجنةٍ – او لجانٍ- تجتمع بشكلٍ دوريٍ وتُصدر تقريراً عن مدى تقدم مشروع التغيير.

 

التدريب

يستمر التدريب على أساليب العمل الجديدة بعد ألإنطلاق على أيدي مدربين محترفين.  وذلك على شكل أحاديثٍ مبسطةٍ سهلة الفهم، يتخللها تمارين عملية، تساعد بطريقةٍ ممتعةٍ على إيصال القناعات الإيجابية المراد تنميتها.

ويمكن أن يكون التدريب على شكل دوراتٍ  تتضمن منهاجاً مدروساً مصمماً لملء ثغراتٍ يُحتمل أن تكون موجودةً في قدرات المتلقين، وكذلك لشحذ مهاراتهم وتطويرها.  وعادةً ما يتم ذلك بالتعاون مع أحد المعاهد العلمية التي تنتدب واحداً او أكثر من ذوي الإختصاص ليحاضروا في مجال إختصاصهم.  ولكن أعتقد أنَّ الطريقة الأكثر تأثيراً هي أن يتولى أحد المدراء عملية التدريب ( نموذج المدير المدرب – Coach manager ).  وهذا من صميم ثقافة المؤسسة المستنيرة.  فتأثير المدير وقدرتة على إيصال المعلومة أكبر بكثير، على الرغم من أنة لا يحترف التدريس والتدريب وغير متفرغ لذلك، كما أن رسالتة تبقى أقرب الى الواقع العملي. ويُنصح أن يكون إعتماد المؤسسة على مدربين من الخارج ترتيباً مؤقتاً او على الأقل أن يكون التدريب بوجود مديرٍ من المؤسسة لربط النقاشات والطروحات بإحتياجات المؤسسة التعبوية.

 

الضوابط

بعد ترسيخ المفاهيم الإيجابيه تُوضع بعض الضوابط لتطبيق إنعكاسها على الواقع. وذلك بالبعد عن كل ما يناقض الثقافة الجديدة.  وهذا يتطلب يقظةً تامةً من قبل الإداريين الذين بعد ضبط تصرفاتهم وممارساتهم يتابعون ويراقبون بشكلٍ مستمرٍ ممارسات مرؤوسيهم، بحيث يقومون وبشكلٍ هادئٍ بتوجيه هذا الشخص الى الإسلوب المقبول والإبتعاد عن الممارسات وردود الفعل غير المقبولة.  وهنا يجب تجنب إزدواجية المعايير.  فغير المقبول، غير مقبولٍ في كل الظروف.  فلا يجوز تطبيق معايير مختلفة بإختلاف الأشخاص او الظروف او الوقت.

فهذا كفيلٌ بنسف كل الجهود المبذولة.  كما أن إعتقاد البعض أن الإدارة او بعض أفرادها تُنادي بمبادئ لا تؤمن بها، ستجعل من الجهد المبذول هباءً منثوراً لا تأثير له.

في مرحلةٍ لاحقةٍ قد يتطلب الأمر إتخاذ بعض الإجراءات بحق الذين يقاومون التغيير.  ربما على شكل رسائل لفت نظر.  وبالمقابل لا بأس من تشجيع المتجاوبين بتقديم هدايا لهم باحتفالٍ صغير، هذا اذا أمكن قياس هذا التجاوب.

في هذه المرحلة ستجد المؤسسة نفسها مضطرةً لقبول إستقالات او إقالة بعض العاملين ممن يجد صعوبة في التأقلم مع الواقع الجديد والثقافة الجديدة.

 

الحوافز والتشجيع

كما ورد في الفقرة السابقة فإن نظاماً لتحفيز وتشجيع العاملين على تقبل الثقافة الجديدة وعكسها على نتائج أفضل يجب ان يظهر الى الوجود.  هذا النظام يعتبر جزءاً من ثقافة المؤسسة المستنيرة، فالحوافز المالية حقٌ لمن يعطي أكثر من المعتاد.  ولذلك يجب أن يُصمم، فور بدء عملية التغيير، نظاماً واضحاً، سهل الفهم ومربوطاً ربطاً مباشراً بعددٍ قليل من مقاييس الأداء؛ مثل الإنتاج والجودة.  فكثرة المقاييس تُعَقِّد العلاقة.

 

المتابعة

تأخذ المتابعة شكلين؛ الأول متابعة مدى تقبل و"إعتناق" العاملين للثقافة الجديدة، والشكل الثاني هو متابعة تحسن الأداء العام؛ إنتاج، جودة، تكلفة، مبيعات، أرباح الخ..

والأول يتطلب معايشة النشاط اليومي ومراقبة أساليب العمل وتحولاتها.  فمثلاً إذا ما أخذنا " إعطاء صلاحيات أكبر " كأحد أركان الثقافة المستنيرة، فعلى الإدارة مراقبة كيفية إستخدام هذه الصلاحيات الإضافية، ومن ثمة تقديم توجيهاتٍ حيثما يلزم.

اما متابعة تقدم الأداء العام فيتم من خلال إنشاء نظام تقارير فعال يعكس الواقع بدقة.

 

كلمة اخيرة

 

في ختام هذا الفصل أود أن أُشير إلى أنه طوال فترة إعداد هذا الفصل كانت " الثورة الثقافية " حاضرةً في ذهني.  فرغم حرصي على عدم تسييس هذا العمل فإن العلاقة، التي لا تخفى على أحد، تفرض نفسها.  فالثورة الثقافية التي أُطلقت في الصين من قِبَل الحزب الحاكم في الستينات، والتي تحمس لها الملايين من شباب العالم الثالث- وكذلك العالم الاول – جلبت معها كثيراً من الويلات، وعانى قطاعٌ واسعٌ من المجتمع الصيني وأُستبعد من دائرة العطاء بعد أنْ صُنِّفَ تصنيفاً سلبياً.  وقد لحق بهذا الركب عددٌ من الدول العربية في السبعينات.  وأذكر أنَّ حالة التصنيف هذة أخذت بعداً خطيراً في الجزائر على سبيل المثال. 

فالتغيير في مؤسسةٍ يحتاج الى عملية واسعة قد ترتقي الى مستوى ثورة، مع ما قد يرافقها من أساليبٍ مؤلمةٍ وممارساتٍ مؤذية.  وهنا يستوجب الموقف التحذير من عدم السماح بإنفلات الأُمور أثناء عملية التغيير وتصنيف العاملين بين متقبل وغير متقبل او متجاوب بدرجة كذا او غير ذلك.  كما يجب تجنب الصدمة، بشكلٍ عام، كأُسلوب؛ فلا يجوز القول أن الوضع السابق، على سبيل المثال، كان لا شئ، إنما يفضل أن  يُبنى الوضع الجديد على الوضع السابق، بإبراز بعض الجوانب الإيجابية فيه.  فالإسلام لم يحرم جميع شعائر الجاهلية.

 
 

 


تعليقات

لا يوجد تعليقات

الإسم 
البريد الإليكتروني (ليس للنشر)
التعليق
هل توافق على الانضمام لمجموعتنا البريدية؟
  أرسل

 

Counter