قادة لا مدراء - الفصل الثاني - وظائف الإدارة
 
 


وظائف الإدارة هي المهامُّ الملقاةُ على عاتِقها في جميعِ مراحلِ عملها، ويعتمد نجاحُها على مدى الدقةِ وحسنِ الأداءِ في القيامِ  بهذه الوظائف.

هناك فارقٌ كبيرٌ بين المهامِّ الملقاة على عاتقِ إدارةٍ تعمل في الدولِ المتطورةِ وأُخرى تعمل في العالمِ الثالثِ الأقل تطوراً.  ففي الدول المتطورة غالباً ما تستلم الادارةُ مهامها، بدايةً، ضمن وضعٍ مستقرٍ من إدارةٍ أُخرى، من خلال تحولٍ سلسٍ لا يغيرُ في الواقع المتسم بالمؤسسية شيئاً كثيراً.

بينما في عالمنا الثالث، حيث لا تُعمر المشاريعُ الاقتصاديةُ (المؤسسات) كثيراً، وحيث أنَّ الترنح بين نصف نجاحٍ ونصف فشلٍ هو الصفةُ السائدة، فغالباً ما تكون أي إدارةً هي الادارةُ الأولى البانية أو القادمة من خلال "انقلاب" إعادةِ بناء، وهذا ما يجعل وظائف الإدارةِ تختلف عن ما هي عليه في العالمِ المستقر، من حيث أنَّ طابعَ البناءِ والتأسيس هو السمةُ الطاغيةُ على هذه الوظائف.

وإضافةً الى ما ذُكر أعلاه، هناك أسبابٌ أخرى مثل نقص الكفاءاتِ الاداريةِ والفنية، الأمرُ الذي يجعلَ أي إدارةٍ جديدةٍ إدارةٌ مؤسِسة.

ولهذا يمكن إدراج الوظائف الملقاة على عاتق الإدارةِ بما يلي مرتباً حسبَ الأولويةِ الزمنية:

 

أولا: تحديد غايات المؤسسة

 

تُؤَسس أيُّ مؤسسةٍ لتحقيقِ غاياتٍ محددةٍ مثل "إنتاجِ الملابسِ" أو " تقديم  خدماتٍ استشاريةٍ     في المجال الصناعي" الخ..  وهذه الغايات، حقيقةً تظهر إلى الوجودِ قبل المؤسسةِ  نفسها, فالمؤسسة تقام من أجلِ تحقيق غاياتٍ محددة.

وعادةً ما يحددُها أصحابُ رأسِ المالِ، وليس بالضرورة  إدارةُ الشركةِ،  ولكن إدارةَ الشركةِ، بعد أنْ تُعينَ، ربما كان لها رأيٌ في إعادةِ صياغة هذة الغايات، ولكن في جميعِ الأحوالِ من الضروري أن يكونَ هناك وضوحٌ في الغايات. وينعكس هذا على التوجهِ العام للمؤسسةِ في السنوات التالية، حيث يمكن أن يتمَّ تعديلٌ على الغايات.

 

من الجديرِ بالذكرِ أنَّ هناك بُعداً قانونياً للغاياتِ المحددة، حيثُ يتمُّ تحديدُها لدى كاتبِ الشركاتِ في وزارةِ الصناعةِ والتجارةِ ويفترض عدم الخروج عنها.  ولهذا يجب صياغة الغايات بعناية، بحيثُ تتصفُ بالمرونةِ الكافيةِ لممارسةِ نشاطاتِ المؤسسةِ كافةً بشكلٍ قانونيٍ وعدم الإضطرارِ الى إجراءِ التعديلات من فترةٍ لأخرى.

 

ثانيا : بناء البنية التحتية

 

والمقصودُ بالبنيةِ التحتيةِهنا المباني وخطوطُ الإنتاجِ والمكائنِ والمستودعاتِ والمكاتب ووسائلِ النقلِ وأجهزة الإتصال الخ.. حيثما يُتطلب وجودُ هذهِ الأُمور، مثل المشاريعِ الصناعيةِ والزراعيةِ والإنشائية، كما تنطبقُ ايضاً على المشاريعِ الخدميةِ مثل المؤسسات السياحية والاستشارية ونعني هنا المكاتب ووسائل النقل والاتصال والمطاعم والفنادق الخ..

 

ودورُ الإدارةِ كبيرٌ في تصميمِ المباني وخطوط الإنتاجِ واختيار المكائن وتحديدِ أساليبِ الإنتاجِ ومقدار الإعتمادِ على المكننة وأثر ذلك على التكاليف . كما يستمر هذا الدور في السنوات اللاحقة في تحديث المكائن وخطوط الانتاج . إن اي قرار خاطئ  في هذا المجال قد يكلف المؤسسة الكثيرَ وربما مستقبلَها كله.

فحقيقةُ الامرِ انَّ هناك ترابطٌ متينٌ بين ثقافةِ المؤسسةِ والبنيةِ التحتيةِ للمؤسسة؛ فالثقافةُ الحريصةُ على راحةِ العاملين تتطلب مبنىً واسعاً ( بالسياق النسبي ) ومُهوّى جيداً وربما مكيفاً ومدفأً. 

 

فيما يلي ندرج بعضَ العوامل المتعلقة بالبنيةِ التحتيةِ والتي تساعد على تسهيلِ وتحسينِ الأداء العام للمؤسسة:

 

           ‌أ.        التصميم المناسب للمباني الذي يضمن حركةً سلسةً للمواد ومكاناً مناسباً للإنتاجِ من ناحيةِ الإنارةِ والتهويةِ وموقعِ المستودعاتِ والمكاتبِ والمرافق الأُخرى من صالاتِ الإنتاجِ الخ..

           ‌ب.    إختيار المكائن المناسبة التي تضمنُ كفاءةً عاليةً وكلفاً أوليةً مقبولةً، وهذا بعد تقرير درجة الأتمتة ( Automation ).  أي مقدار الاعتماد على العنصر البشري او على المكائن.  وهذة قضيةٌ جدُ حساسةٌ في عالمِنا الثالثِ بشكلٍ خاص؛ حيثُ البطالةُ وتدني كلفةِ الأيدي العاملة، وحيثُ لا تُصنَّعَ خطوطُ الإنتاج ومكوناتها محلياً بل تستورد من الخارج، الأمرُ الذي يستوجب إعتمادٌ أكبر على الأيدي العاملة لأسبابٍ إقتصاديةٍ وأخلاقيةٍ – مثل خلق مزيداً من فرصِ العمل لحلِّ مشكلةِ البطالةِ المستفحلة.

كما انَّ حُسْن إختيارِ مصادرِ المكائن يعتبر قضيةً هامةً، بحيث لا تنجر الإدارة وراءَ رخص الأسعار او الأسماء البراقة. فكثيرةً هي الحالاتُ التي تم إستيراد خطوط إنتاجٍ لم تعمل ابداً، وذلك نتيجةً لسوء إختيار المصدر.

وكذلك تقرير الطاقة الإنتاجية المناسبة مرحلياً، وبالتالي شراء ما يلزم من خطوط إنتاج لهذة المرحلة فقط وذلك بعدم الوقوع تحت إغراءات الخصومات وبالتالي شراء ماكينات او اجزاء من خطوط إنتاجٍ بطاقةٍ إنتاجيةٍ أعلى من المطلوب وعدم تشغيلها لفترةٍ طويلة.  فهذا هدرٌ في المالِ والحيزِ لا داعيَ لة.

 

ج. إختيار وسائل النقل الداخلي والخارجي المناسبة سواءٌ كان ذلك بامتلاكِ هذه الوسائل أو باستئجارِها.  فعلى الإدارة أن تُحْسِنَ الاختيار بين ما يتوفر من خياراتٍ آخذين بعين الاعتبارِ عدداً من الأُمورِ مثل حجم الإستثمار . هل تشتري أرضاً وتبني مصنعاً عليها أم تستأجر مبنىً يفي بالغرضِ لسنتين قادمتين مثلاً.؟. وهل تشتري عدداً مِنَ الحافلات لنقلِ العاملين أم تكتفي بالتعاقدِ مع شركةِ نقل.؟. هل تختار خطَ إنتاجٍ يتضمن مراحلَ يدويةً أم يكون خطُ الإنتاجِ ممكنن بالكامل – او مُأَتْمت –( Fully automated )؟.

 

كما إنه مطلوبٌ برمجةُ شراءِ المعدات أو بناء المباني منذ البداية، بحيثُ تحتفظُ هذه الإدارة بمرونةٍ أكبر في الأشهرِ الأولى أو السنوات الأولى إذا ما طرأََ طارئٌ يتطلبَ تعديلاً على غاياتِ المشروعِ وطبيعته وبالتالي الاستغناء عن بعضِ المعدات. فبالإمكان الاكتفاء بالاستئجارِ في البداياتِ حتى لا تُصبحَ الأداة أسيرةً لاستثمارها الأوليِّ الكبير.

 

ثالثا بناء البنية الفوقية:

 

إذا كانت المباني والمعدات ووسائل النقلِ والمنشئات الخدميةِ تُسمى البنية التحتية فإنَّ مجملَ القوانين والنظم والثقافة والمعتقدات والعادات والتقاليد لأي تجمعٍ بشريٍ تُسمى البنيةُ الفوقية . وتربطُ بينهما علاقةٌ متبادلةٌ وثيقة . ربما كانت هذه المسميات حكراً  على مدرسةٍ فكريةٍ معينةٍ فنحن نستعيرها هنا دون قصدٍ أو غايةٍ بل لقناعتنا بدقةِ التصنيفِ والتوصيفِ للحالة.

وهذا ينطبق على أيِّ مؤسسةٍ، باعتبارها مجتمعاً صغيراً له غاياتُه ومصالحُه المشتركة وقيادته، وعلى نطاقٍ أضيق، وعلى صعيدِ المؤسساتِ الاقتصاديةِ والتي هي موضوعُ بحثنا، فإنَّ البنيةَ الفوقيةَ تعني قوانيناً ونظما وتعليمات تغطي كافةَ النشاطات المطلوبة لتحقيقِ غايات المؤسسة. هذا من جانب، ومن الجانبِ الآخر تعني ثقافةَ المؤسسةِ نفسها والتي تتبلور مع مرورِ بعضُ الوقتِ حول أفكارٍ عامةٍ يحملها مؤسسو المؤسسةِ ولا تُولَدَ معها.

وفيما يلي سردٌ لمكوناتِ البنيةِ الفوقيةِ حسبَ ترتيبها:

 

أ- التركيبة الوظيفية

وهي السياسة التوظيفية للمؤسسةِ وتتكون من خطوطٍ عامةٍ للمسمياتِ الوظيفيةِ وطبيعة وقيادة التقسيماتِ الإداريةِ والتسلسلِ الإداري للمؤسسة.

فالمسميات الوظيفية مهمةٌ جداً ويجب أن تكونَ وفقَ نسقٍ مقرراً مسبقاً. وكذلك تكوين الإدارة العليا للمؤسسةِ مثل مجلسِ الإدارةِ وعددُ اعضاءِهِ وكون الرئيس متفرغٌ أو غيرُ متفرغ، ومديرٌ عامٌ يكون هو نفسُه رئيسَ مجلسِ الإدارةِ أو شخصاً آخر.

وكذلكَ وجودُ نوابٍ للرئيسِ – أو نواب المدير - أو عدمه، وهل نُواب الرئيسِ هم رؤساءُ الأقسامِ أو نوابٌ متفرغون تماماً، كذلك التقسيمات التنظيمية للمؤسسةِ (إذا كانت كبيرة)؛ ما حجمُ كلَّ قسمٍ وماذا يُسمى مسؤولُ القسم.

وإذا كانت المؤسسة صناعيةً؛ هل مسؤول كل قسمٍ يسمى مدير مصنع – وهل يسمى القسم مصنعاً أصلاً - أم مديرُ إنتاجٍ أم مدير خط الخ.. وهذا تبعاً لتقسيم المؤسسة الصناعية الى مصانع ومن ثم الى خطوط انتاجٍ أم إعتبار المؤسسة كلها مصنعاً واحد. هذه خياراتٌ كثيرةٌ ومتعددةٌ تتطلب وضعَ سياسةً عامةً لها مسبقاً  في مراحلِ التأسيس لتجنب التخبط فيما بعد.  وهذة السياسة العامة يمكن أن تكون مُتَضَمَّنَة في الهيكل التنظيمي للمؤسسة.  وربما إرتبط ذلك بخطة توسعٍ لخمسِ سنواتٍ مثلاً.  وهذة الخيارات، عموماً،  ليست إعتباطية على الاطلاق. فمثلاًيعتمدُ تقسيمُ المؤسسة الصناعية الى وحداتٍ صناعيةٍ تسمى –مصانع- على الحجمِ المسموحِ بلوغة للوحدةِ الصناعيةِ الواحدة، والتي لها إدارةُ إنتاجٍ واحدةٍ وإدارةُ جودةٍ واحدةٍ وإدارةُ تخطيطٍ واحدةٍ وكذلكَ إدارةُ موادٍ واحدةٍ الخ.. وهو أمرٌ ينبغي تحديدة في مراحل التأسيس، ويعتمد على عواملٍ عديدةٍ أذكر منها مدى كفائةِ وخبرةِ الإداراتِ المتوفرة.

 

ب- المسميات الوظيفية

من أهم متطلبات العملِ المؤسسي تحديدُ المسميات الوظيفيةِ لكل موقع وظيفي منذ البداية.

لكي يعرف كل قادمٍ جديدٍ تحت أي مسمى سيعمل، وهذا يجنب المؤسسة  المجاملات وتفصيل المسميات على مقاسِ الموظفين وليس حسب الموقع الذي وُضعوا فيه.

فإذا كان هناك مسمياتٌ وظيفيةٌ محددةٌ وواضحةٌ ويَعرف كل موظفٌ جديدٌ تحت أي مسمى سيعمل، فإنَّ ذلك سيكون مقبولاً لدية طالما قَبِلَ بالوظيفة.

وعند تحديد المسميات يفضل تقليل تكرار مسمى "مدير"، حتى لا يفقد هذا المسمى هيبتة مضمونة وبريقة.  وهذا، طبعاً ينطبق على المسميات المشابهة مثل رئيس ونائب رئيس الخ..  أعرف إحدى المؤسسات الإنشائية التي كان من ضمن توجهها أن لا يسمى أكثر من شخصٍ واحدٍ بمسمى مديرٍ كلِّ مشروعٍ، وهو مديرُ المشروع.  وهذا لهة دلالاتة ومغزاة.

 

جـ- الوصف الوظيفي

يحتوي الوصفُ الوظيفي، بالإضافةِ إلى المسمى، المهامَّ المناطة بالموظفِ المعين وحجم مسؤولياته، ومع من يعمل، وتحت من يعمل، بكل وضوح. وذلك بتوضيحِ   المرجعيات بشكلٍ لا يحتملَ اللبس.

والوصفُ الوظيفيُّ  يجب أن يكون معلوماً وواضحاً منذ اليومِ الأولِ للتعيينِ لكل موظف.  كما يجب أنْ يكون هناك تماثلاً للوصفِ الوظيفي لجميع الموظفين الذين يحملون نفسَ المسمى، أي   أنَّ جميعَ مدراءِ الإنتاج، على سبيل المثالِ، لهم نفس الوصف الوظيفي.  بحيث لا يفصل الوصف الوظيفي تبعاً لرغباتِ شخصٍ معينٍ او قدراتة او وقتةِ المتوفر،  مما يعزز الطابع المؤسسي للمؤسسة.

 

د- الهرم الوظيفي

ويظهر عليه التركيبة العامة لإدارةِ المؤسسةِ بحيث يُظْهِرُ التسلسلُ الإداري لجميعِ الطاقم الإداري موضحاً المرجعيات وما يسمى بسلسلة القيادة ( Chain of command ).

 

ويجب أنْ لا يُنْظَرَ الى الهرم الوظيفي على أنه تمثيلٌ بيانيٌ للواقعِ الإداريِّ للمؤسسة، إنما هو وليدُ نمطٍ مدروسٍ للإدارةِ المزمع بناءه، وطبيعةُ هذا الهرمِ وشكلُه قد يكون سبباً مهماً ومساعداً في مرونةِ وكفاءةِ المؤسسةِ وعاملاً مساعداً في خلقِ ثقافةِ المؤسسةِ أو عكسَ ذلك يكون عاملَ تعقيدٍ وبطءٍ في الأداءِ العام للمؤسسة.  وذلك في حال كون التركيبة الهرمية غيرُ مناسبةٍ فقد تشكل عائقاً أمام تحقيق أهداف معينة مثل النمو او زيادة المرونة.

 

كما أنَّ شكلَ وتركيبةَ الهرمِ الإداريِّ يدلُّ على مدى إعتمادِ المؤسسةِ على مديرِها او مدرائِها ومدى الصلاحياتِ الموكلةِ للمراتبِ الإداريةِ الوسطى، وكذلك الى أيِّ مدى يمكن لروحِ الفريقِ أنْ تتفشى وتعمل بنجاح.

 

هـ- قنوات الاتصال

في كثيرٍ مِنَ الحالاتِ وخاصةً في المؤسساتِ الكبيرةِ وخصوصاً حيثُ يتواجدَ أقسامها في أماكن متباعدة،  يتطلبُ الأمرُ تحديدَ قنواتِ الإتصالِ لأغراضٍ محددةٍ لغايةِ ضبطِ نقلِ المعلومات، وضمان وصولها إلى الجهةِ المعنية في الوقتِ المناسب وبشكلٍ واضحٍ ومفهوم.

وهذة القنواتِ يجبُ أنْ لا تكون ضيقةً بل واسعةً ومتشعبة، بحيث تضمن إنفتاحاً معلوماتياً بناءاً.  كما يمنع تحويلَ المؤسسة الى جهازٍ بيروقراطيٍ بطئِ الحركة.

ولكن في كثيرٍ من الحالات وفي بعضِ التركيباتِ يُصبحُ هذا الأمرُ ضرورياً بحيث يُحدد لكل موضوعٍ طرفين في عمليةِ التواصل؛ المُرْسِلُ والمُسْتَقْبِلُ وكذلك شبكةُ التوزيع؛ أي أسماءُ الأشخاصِ الذين تُرسل إليهم نسخٌ من الرسالةِ للعلم.

 

و- القوانين والنظم

إذا كانت القوانين والنظم ضروريةً عموماً للحفاظ على الطابعِ المؤسسي، فهي أكثر ضرورةً في ظروفِ عملِ العالمِ الثالث، حيث هناك نقصٌ في الكفاءات وتراكمات خبراتية أقل وقدرةٌ أقل على المبادرةِ وحاجةٌ أكثر لضمانِ سير النشاط اليومي بشكلٍ منظمٍ يعزز الطابعَ المؤسسيِّ المنشود.

وهذه القوانين والنظم والتعليمات ( Procedures ) يجب أن تشمل كافةَ الأعمال المطلوبة بشكلٍ متكرر . فمثل أن تغطي في مؤسسةٍ صناعية  :

 

- تعليمات ضبط الجودة:مثل نظم الفحصِ والتعليماتِ المعطاة لكلِّ العاملين حول دورهم في ضبطِ الجودة.  وكيفية الفحص وطرق التعامل مع المشاكل ومستويات الجودة المقبولة.

- تعليمات تتعلق بحركة المواد: أستلام مدخلات الانتاج وصرف المواد والشحن.

- نظم التعيين: أسس المقابلات والتعيين.

- سلم الرواتب: والتي تُحدد رواتب كل فئةٍ وظيفية.

- نظام الترفيع: كيفية تنظيم وإجراء عمليات تقييمِ الأداء والتقييم الذاتي للموظفين ونظام الترفيع وما يتبعة من تعديلاتٍ على الراتب والعلاوات.

- تعليمات السلامة  العامة.

- تعليمات أمنية.

-      النظام الداخلي: وهوتفسيرٌ لقانونِ العملِ مع بعضِ الإضافات المتعلقة بخصوصيةِ المؤسسةِ ومعتمدٌ من السلطاتِ المحلية.

ويجب أنْ يُعادُ النظرُ بهذه الأنظمة بشكلٍ دوريٍ حتى لا تتحول إلى أداةٍ معيقةٍ للحركة عديمة المرونةِ وتجعل من المؤسسةِ جهازاً بيروقراطياً عقيماً.  على أنَّ التعديلات يجب أنْ لا تكون كثيرةٌ حتى لا تُربكَ العاملين.

 وفي هذه الأثناء تُضْفى قدسيةً خاصة ًعلى هذه النظم، بحيث تُطبق وتُحترم إلى أبعد الحدود وعلى الدوام بدون تمييز.  فلا يجوزَ أنْ يكون هناك نظامٌ غيرُ معمولٌ بة، فإما أنْ يُعدل أو أن يُلغى أو يُطبق.

 

ز- ثقافة المؤسسة

وهي مُجمل المفاهيم العامةِ والعادات والأفكار والتقاليد المترسخةِ ضمن المؤسسةِ مع مرورِ الزمن، وبالتالي فهي لا تُولدَ بقرارٍ ولا تظهرَ للعيانِ مع تأسيسِ المؤسسةِ إنما تتبلور بشكلٍ تدريجيٍ حولَ مبادئَ عامةٍ يحددُها وينشرها القائمون على المؤسسةِ – أصحابُ القرارِ والتأثير _  وتتأثر بثقافةِ المجتمعِ بدرجاتٍ مختلفة.

كثيرٌ من المؤسسات لا تملكُ ثقافة، حتى بعد سنواتٍ طويلةٍ من تأسيسِها، كما أنَّ هناك مؤسساتٌ تتفشى فيها ثقافاتٌ غيرُ متجانسة، وهناك مجالٌ لتفشي ثقافاتٍ سلبيةٍ في بعضِ المؤسسات.  ولكي نضمن تَكَوُّنَ الثقافةِ الإيجابيةِ يجب أنْ تتوفرَ العواملُ التالية:

 

·                  وجود فلسفةٍ ما لدى إدارة المؤسسة تصلح كنواةٍ للثقافةِ الايجابيةِ المنشودة.

·                   درجةٌ عاليةٌ من الثبات في السياسات العامة والتوجهات ( Consistency )، والبعد عن المزاجية.

·                  بقاء كبار المدراء لفترةٍ أطول في مواقعهم.

·                  رسوخ الطابع المؤسسي للأداء العام.

 

إنَّ ثقافةَ المؤسسةِ يجب أنْ لا تكون منسلخةً عن الثقافةِ السائدةِ في المجتمعِ بل يجب أن تكون إمتداداً لها ومبنيةً على أُسُسِها مستفيدةً من قيم المجتمع الايجابية .  كما تعمل بمنتهى الشجاعة على طرد ونبذ القيم السلبية السائدة في المجتمع. مثل الفردية والبعد عن المؤسسية والفئوية والنظرةِ السلبية للمال العام، والموجودة كقيمٍ سلبيةٍ في بعض المجتمعات.

إنَّ ترسيخ ثقافةٍ إيجابيةٍ يُشكلَ بالنسبةِ للمؤسسةِ مناعةً تحميها من الأخطار الداخلية والخارجية، وترفع من سوية الأداء العام.


رابعا: بناء الكفاءات

 

إنَّ العنصرَ البشريَّ في أيِّ مؤسسةٍ يُشكلُ عموماً العاملَ الأهمَّ في إقترابِ المؤسسةِ من تحقيقِ غاياتها وبقائها ونموها، ولذلك فإن من أهم وظائفِ الإدارةِ هو إختيارُ وتوظيفُ وتدريبُ وبناءُ الكوادر الإداريةِ والفنيةِ التي ستُدير المؤسسةَ وترتقي بأدائِها. وكذلك الحفاظ على هذة الكوادر بعدم التفريطِ بها وإبقائها دائماً متحفزةً ومقتدرةً وملتزمة. وهذه المهمة لا تنتهي بإنتهاءِ مرحلةِ التأسيسِ إنما تستمرُّ طوال عمرِ المؤسسة، وذلك بسبب:

                           ‌أ.            الحاجة الى كفاءاتٍ جديدةٍ للتوسعات.

                       ‌ب.            الحاجة الى من يحل محل اولئك الذين يتركون العمل.

                        ‌ج.            لتطوير واعادة تدريب الطواقم الادارية والاشرافية بشكلٍ مستمر.

 

لذلك فإن أول ما يجب أن يظهرَ الى الوجودِ في مؤسسةٍ مبتدئةٍ هو مركزُ تدريبٍ او جهازُ تدريبٍ يضطلعُ بتدريبِ جميع الفئات العاملة في المؤسسة، من عمالٍ فنيين ومشرفين ومدراء.  وهذا يتطلب أن تكون نظمُ المؤسسةِ وتركيبتها جاهزةًُ للتدرب على القوانين والتعليمات والوصف الوظيفي والبناء التنظيمي للمؤسسة . فالتدريب لا يقتصر على الجوانب الفنية والادراية فقط،  وبالشكل النظري، وإنما يُطبق على واقعِ المؤسسةِ بشرحِ النظمِ والتعليمات وأساليب العمل الخ...  ولذلك يجب أن يوضع أمام المتدربين منهاجٌ واضحٌ مكتملٌ لا يحتاج إلى تعديلاتٍ كثيرة.  إنَّ التعديلات الكثيرة على مادةِ التدريب تُعطي الإنطباعَ بعدم "النضوج" وعدم الجاهزيةِ والتخبط، وهذا لة  أثرٌسلبيٌ على المتدربين.

يُشكل التدريبُ في مرحلة التأسيسِ  المراحلَ الجنينية في تشكيلِ الثقافةِ العامةِ للمؤسسة. ومن أهم سمات هذه الثقافة، في هذا السياق، خلقُ الرغبةِ لدى العاملين والإستعداد لدى الإدارةِ حتى يصبحُ التعليمُ المستمرِّ جزءاً من النشاط اليومي، ويُنظر إليه بمنتهى الجدية وليس شكلاً جمالياً للإستعراض أمام ضيوفِ المؤسسة.  وهذا النهج لة تبعاتة؛ فهو يتطلب، على سبيل المثال، الإستعداد الطبيعي لدى الإدارة لتقبل التغير الناجم عن إكتساب الموظف لمعارف ومهاراتٍ إضافيةٍ وبالتالي إعطائة فرصاً أفضل بترقيتة او نقلة او زيادة صلاحياتة، وذلك بشكلٍ مؤسسيٍ منظمٍ قائمٍ على أُسسٍ علميةٍ معتمدة.

إنَّ هذا النهج، وإن بدا مكلفاً من ناحيةِ المالِ والوقت، يرتقي بالأداءِ العامِ للمؤسسة ويُغطي إحتياجاتها المتزايدة من الكوادر داخلياً، وهو أقلُّ تكلفةٍ وأغنى لثقافةِ المؤسسة.

 

خامسا: خلق الدافعية

 

من المتفاهم عليه أن كل موظفٍ قَبِلَ بوظيفته لغايةِ القيام بعملٍ منصوصٍ عليه بالوصف الوظيفي الخاصِّ بة لقاءَ مقابلٍ ماديٍ معين. إلا انَّ الأمرَ يجب أنْ لا يتوقفَ عند القيام بالحدِّ الأدنى من الأداءِ والعطاءِ، وهذا  يحتاج الى  أكثر من هذا المقابل.  بل يحتاج الى  وجودِ دافعٍ؛  ماديٍ ومعنوي. وخلقُ الدافعية لدى العاملين والمراتب الإدارية المختلفة  يُعتبر من أهم وظائف الإدارة.  وهذه الدافعية هي بمثابةِ الشحنة التي تُولِّد الرغبةَ والطاقةَ الإضافيتين المسؤولتين عن هذا الاداء.  والحقيقة إنَّ الدافعيةَ، في بعض المؤسسات، ضروريةٌ حتى للقيام بالحد الادنى من الاداء.

و الدافعيةُ هي بمثابة الشحنة التي تخلق قوةً دافعةً نابعةً من داخلِ المرءِ تجعلة ملتزما بأهداف المؤسسة ويسعى نحو تحقيق هذة الأهداف بكل قدراتة وبقناعةٍ كاملة. وبالإمكان إضافة أَنة يستمتع بذلك.

وهناك أدواتٌ تُستخدم لخلقِ الدافعيةِ ورفعِها مثل:

 

1 - التوعية والانتماء

كثيرٌ من الإداراتِ تتجاهل التوعية كأداة،  ولا تولي الانتماءَ كنتيجة، الأهميةَ التي تستحق. ولكن كثيراً ما تأتي لحظةٌ في عمرِ المؤسسةِ يعتمد بقاؤُها وإستمرارُها على الانتماءِ الواعي لدى العاملين لمؤسستهم.

للتوعية قنواتٌ ووسائلَ وأدواتٌ كثيرةٌ  يُنصح بإستخدامِ ما يُناسب حجمِ وطبيعةِ المؤسسةِ منها، مثل الحديث المباشر في إجتماعاتٍ إسبوعيةٍ او شهرية،  الى الحديث عبرنظامٍ صوتيٍ داخليٍ أو إستخدامِ نشرةٍ دوريةٍ أوما يُشبه مجلةَ الحائطِ، كل هذه الأساليب مفيدةٌ في نقلِ الأفكار ورفعِ مستوى الوعيِ وإزالة المفاهيم الخاطئة .

من أهمِّ شروطِ نجاحِ برامجِ التوعيةِ هذة، تماسكُ الخطاب العام ومعقوليتة وبساطتة، وذلك بالحرصِ على عدمِ التناقض في الطرحِ ومطابقة الفعلِ مع القولِ وتمكنِ المتحدث من ما يتحدث عنة. 

كما أن الانتماءَ يُعزز بتعميقِ الإحساسِ بالديمومة، وذلكَ من خلالِ إعطاءِ الموظفَ الحدِّ الأدنى من الإحساسِ بالأمان في بقاءِه بوظيفتِه وهوما يُسمى بالأمانِ الوظيفي، فلا يُهدد بالطردِ لأيِّ سببٍ كان، ولا يُعطى الإحساسَ بذلك.  وهذا بالتخلص من كثيرٍ من العاداتِ السيئةِ الموجودة لدى بعض المشرفين والمدراء، الذين يهددون العاملين بالطردِ او الإخراجِ من مكانِ عملهم في أيِّ مناسبةٍ ولأيِّ سبب.

كذلك بإعطاءِ الموظفَ والعاملَ الإحساس بالأهميةِ والإحترامِ وبأن صوتَه مسموعٌ من خلالِ قنواتٍ محددةٍ وواضحةٍ ومتوفرةٍ بإستمرار، مثل الإجتماعات الدورية والمقابلات الشخصية ووجودِ لجنةٍ إجتماعيةٍ في المؤسسة أو مشرفٍ إجتماعي .

وقد سرد أحدُ مدراءِ الإنتاجِ في أحد الإجتماعات تجربةً خاضها مع عاملاتِ أحد خطوطِ الإنتاجِ، حيث كان يتوقع غياباً مطولاً لمشرفةِ الخط في إجازةِ وضع . فقد طلب من إحدى العاملات التي إختارها عشوائياً أن تديرَ الإجتماع الإسبوعي، حيث تفاجأ بكفائتِها وقدرتِها على  إدارةِ هذا الاجتماع. وعزى السبب الى وعيها وإنتماءها. وطبعاً هناك عاملاً آخر ساعد على هذة النتيجة وهو الثقافةِ المؤاتية السائدة في المؤسسة.  فالعامل الواعي والمنتمي يمكن أنْ يتصرف بشكلٍ لائقٍ في ظلِّ وضعٍ ناجمٍ عن فراغٍ إداريٍ، كما يشكل مع أقرانة إحتياطاً إستراتيجياً للمؤسسة.

إن الاحساسَ بالعدلِ، وذلك بتغييب الظلم وتكافؤ الفرص مهمٌ جداً لتعزيز الحس بالانتماء.

وهذا يأتي بإهتمام المسؤول بإستمرار بمشكلةِ العاملِ – إنْ وُجدت - والتحقق من أنه قد أخذَ حقوقَه كاملةً وإعطائه الإحساس بذلك.

 ينبغي للمؤسسة أن تُصبح بمثابة العشيرة بالنسبة للعاملين فيها، فهي التي تظلهم وتجمعهم وتحميهم وتساندهم أدبياً ومعنوياً ومادياً . وهذا غايةُ القصدُ، ومن هنا يمكن الإستفادة من سيطرةِ العقلية العشائرية على وجداننا، بحيث يتم تجييرها لصالحِ الإنتماءِ الى المؤسسة التي يجب أن توفرَ الأرضيةِ المقنعةِ فتصبحَ عن جدارةٍ البيتَ والعائلةَ والعشيرة.

 فبإضافة الى التوعية والثقافة الموآتية والإنتماء هناك إحتياجاتٌ أساسيةٌ مثل التأمين الصحي وصندوق توفير ونظام قروضٍ ميسرة وصندوق إسكانٍ وربما صندوق تعليمٍ  ورواتبَ أفضلَ وحوافزَ  بالإضافةِ إلى إعطاءِ الحد الأدنى من الإحساسِ بالأمان الوظيفي .

والإنتماءُ المطلوبُ هو الإنتماء الواعي للمؤسسة، وليس إنتماءاً غيرُ واعٍ أو إنتماءاً لأشخاص.  فلا يخفى على أحدٍ مساويءَ الإنتماء للأشخاص فهي تؤدي الى الشلليةِ والتحزبِ، وينهار مع تَغَيُّرِ هؤلاء الأشخاص أو تركِهم للعمل.

 

2- التحفيز الأدبي (التشجيع)

يحتاجُ كلُّ إنسانٍ مهما بلغ مركزُهُ أو سنُهُ إلى من يضع يده على كتفه مشجعاً من فترة الى أخرى، الأمرُ الذي يفجر طاقاتً هائلةٍ في داخلِ الإنسانِ ويزيدُ من تفانيهِم وإخلاصهم في العملِ ويُعمِّق طاقةُ الإبداعِ لديهم .

إن التحفيزَ الادبيَّ الذي قد يكون على شكلِ كلماتِ تشجيعٍ عابرةٍ وتلقائية أو رسالةِ شكرٍأو شهادة تقديرٍ أو اختياره كموظفٍ مثاليٍ لفترةٍ معينةٍ- عام أو شهر -  يجب أن يكون هذا التحفيزُ مبنياً على معلوماتٍ دقيقةٍ وفهمٍ صحيحٍ للظروفِ المحيطةِ لأداءِ الشخص المعني (أو مجموعة الأشخاص) ويجب أن يكون علنياً وواضحاً من حيث الأسباب .

قرأتُ في مذكراتِ أحدُ كبارِ الصحفيين المصريين أنه في شبابه دخل على رئيسِ تحريرِ الصحيفةِ التي كان يعمل بها وكان عنده ضيفٌ يعمل رئيس تحرير صحيفةٍ كبيرةٍ أُخرى، فقال لضيفه عند دخول الصحفي الشاب " هل قرأت مقاله فلان الأخيرة "  فقال الضيف " طبعاً " .أضافَ صاحبُ المذكرات " خرجت من المكتب وأنا مستعدٌ للعمل ستة عشر ساعة يومياً ".  لقد كان للحوار القصير المتبادل بين الأُستاذين أثرٌ كبيرٌ على الصحفيِّ الشاب.

إنَّ التحفيزَ الأدبي يفوقُ التحفيز المادي في بعضِ الأحيان. ويجب أنْ يكون مدروساً ولا يكون عبارةً عن كلماتٍ تتكررَ في كلِّ المناسباتِ ولكلِّ الأشخاصِ، وتبدو خاليةٌ من المضمون والأحاسيس.

 

3-التحفيز المادي

يبقى التحفيزُ المادي دافعاً قوياً جداً لأداءٍ أفضل.  وذلك أنَّ الدافعَ الأساسيَّ وراء قبول الوظيفة للغالبية العظمى من العاملين هو الدافع المادي.  وبالتالي فإن زيادة الدخل محفزٌ كبير.  وفي حقيقة الأمر إنَّ حصولَ المرءِ على دنانيرَ إضافيةٍ أكثر مما هو متوقعٌ لة أثرٌ عظيمٌ وينجمُ عن ذلك سعادةً غامرة.   

ولكن التحفيزَ الماديَّ قد يتحول الى أداةٍ عديمةِ الفعاليةِ بل ضارة، إذا ما أُسئَ إستخدامه.

 

أنواع التحفيز المادي:

أ- نظام حوافز دوري، إسبوعي او شهري للعمال وقد يشمل بعض شرائح الاداريين المرتبطة بالإنتاج،و يُحتسب  على أساسِ الأداءِ الجماعي والفردي.

ب- نظام مكافئات للأداء المتميز قد تكون نقديةً أو هدايا عينية.

جـ- نظام زيادة رواتبٍ دوريٍ مربوطٌ بالأداء الفردي وشروطٍ أخرى.

د-   نظام مكافئات سنوي للاداريين.

هـ-  نظام المشاركة بالأرباح.

 


من أهم شروط فعالية ونجاح نظام التحفيز المادي:

وكما ذُكِرَ آنفاً فإنَّ نظام الحوافز قد يفقد تأثيرة ويتحول الى أداةٍ مضرةٍ بالإنتاج ( Counterproductive ) وفيما يلي ذكراً لبعضِ الشروط الواجب توفرها لإنجاحِ نظام الحوافز:

أ.  أن يكون سهل الفهم وواضحاً ومعروفاً لدى الجميع.

ب. أن يطبق بمنتهى العدل والمساواة بين الجميع.

ج. أن لايتم تعديله كثيرا.

د. أن يغطي النظام كافة جوانب نشاط العاملين بما في ذلك الجودة والتعاون والحضور والغياب والترتيب والنظام ..الخ.

هـ. صرفُ الحوافز والمكافئات لمستحقيها بموعدِها.

 

لقد ثبت عملياً أنَّ نظامَ حوافزٍ جيدٍ ومفهومٍ وسخيٍ قد يرفعَ كفاءةَ العاملين لغاية 50%.

وتُحتسب المعادلةُ الرياضيةُ الخاصة بنظامِ الحوافزِ على أساسِ كم تود الادارةُ منحَ عمالها من الدخلِ الاضافيِّ المتحققِ من زيادةِ الإنتاجِ نتيجة رفع الكفاءة عن حدٍ معين.

 إذا لم يكن نظامُ الحوافز واضحاً ومقروناً ببرامج توعيةٍ مستمرةٍ متماسكةٍ على شكلِ إجتماعاتٍ دوريةٍ يُربَطُ فيه مبلغُ الحوافزِ مع حجمِ الإنتاج وجودته، فقد ينجمُ عن ذلك بعضَ السلبيات مثل كثرة الإعتراضات والنقاشات والتحاسد بين العاملات والإحساس الزائف بالظلم الذي ينجم عنه غيابٌ كاملٌ للدافعية وإنعدام تأثير نظامِ الحوافزِ الإيجابي.

وسواءٌ كانت المكافئاتُ ماديةً أو على شكلِ هدايا أو شهاداتٍ أو رسائلَ تقديرٍ تُقدم لدى إستحقاقها من قِبَلِ بعض العاملين، لها تأثيرٌ عميق.  ومن الممكنِ تنظيمُها على شكلِ حفلاتِ تكريمٍ شهريةٍ يتمُّ فيها إختيارَ "موظفَ الشهر" وتقديم هدايا ومكافئات لآخرين.

كما أنْ من أهمِّ حوافز تحسينِ الأداءِ وجودُ نظامِ زيادةِ رواتبٍ يعتمد على الأداء ( كما يعتمد على مرور فترةٍ زمنيةٍ معينة - سنة مثلاً ). وهذا من شأنِة أنْ يُعطي دفعاً دائماً ومستمراً للفردِ في متابعةِ نتائجة الفردية والسعيُ الدائم لتحسينها.

و بالنسبة لكبارِ الإداريين، الذين لا يناسبهم نظامُ الحوافزِ الإسبوعيِّ او الشهري، والذين يجب أن يُحفزوا كباقي العاملين، فإنَّ نظامَ مكافئاتٍ سنويٍ على شكلِ مبلغٍ مقطوعٍ ( bonus ) او راتبِ عددٍ من الأشهرِ لربطها مباشرةً بالراتب، او نسبةٍ من الأرباح.  وهذة الصيغُ جميعها يجب أن تكون مربوطةً بأداء الفترةِ المنصرمة ( العام الفائت مثلا )، وذلك من خلالِ نظامِ قياسِ أداءٍ فعالٍ وشفاف.

 

4-المحاسبة

المحاسبةُ هي المسائلة، ويعني ذلك توجيهُ أسئلةً لأصحابِ العلاقةِ في حالِ الاشتباه بوجود خللٍ ما . وذك لغايةِ معرفةِ طبيعةِ الخللِ وأسباب الخللِ والمسؤولين عن الخلل. ومثلما هناك ثواب هناك حساب، فاستجابة الأفراد تتراوح وتختلف وهي مع الأسف تتطلب أحيانا اللجوء الى الحساب الذي ربما يؤدي في نتيجتة الى عقاب من نوع ما.

يجب أن يُعتمد الحسابُ على أَنه وسيلةُ إصلاحٍ وتوجيه، وذلك ضمن شروطٍ وضوابطٍ محددةٍ لضمانِ الفائدة القصوى منه، وهو بالتأكيد ليس انتقاماً أو تسويةَ حساباتٍ وليس عقاباً في حدِّ ذاتة.  فمثلاً يجب أنْ يتمَّ على شكلِ مقابلةٍ أو محادثةٍ بلهجةٍ محايدةٍ تماماً بدون أحكامٍ مسبقةٍ أو إنفعالات . كما أَنه يستوجب أن تكون هذه المحادثة طبيعيةً وليست تحقيقاً ولا تهدف الى تجريمِ المسائل وإنما البحثِ عن جوانب في أداءِ فردٍ او مجموعةِ افرادٍ يمكن تصحيحها في الأسلوبِ والنتائج.  وهذا يدعو  للقولِ أنَّ  طبيعةَ هذه المسائلة أو المحادثة يجب أن لا تكون، بالضرورةِ، قادحة، بل على العكس يُفضل أنْ تكون ودية.

 في حال أدت هذه المسائلة الى تخطيء صاحب العلاقة ( أي الشخص المُسائل) فربما إكتفت الإدارة بلفت نظره شفوياً الى ضرورة تجنب تكرارِ الوضعِ الذي أدّى الى المسائلة.  وفي حالة التكرار بتصاعد " العقاب" بإنذارٍ وآخر حسبَ قانونِ العمل، وفي كل الأحوال يجب أن يكون الأمرُ واضحاً بعيداً عن الإنفعالِ والمزاجيةِ والشخصنة،  حتى لو إنتهى الى الفصل من الخدمة.

ينبغي من الإدارة العمل على تغييبِ "ثقافة اللوم" من أوساط المؤسسة، وذلك بأن يرمي أحدُ الإداريين "مسؤوليةَ ما حدث" على شخصٍ آخر، كوسيلةٍ للتهربِ من المسئولية وإنقاذ نفسة. ويتمُّ ذلك بتشجيع العاملين على الإقرار بالخطأ بشجاعة.

كما أن اللوم العلني، حتى لو كان محقاً، يجبُ تجنبة. يجب أن نتذكر دائماً أن الشخص الموجة إلية اللوم إنسانٌ، مليءٌ بالاحاسيس،فيجب ان لا يُقتل ما بداخله من إنتماءٍ وإبداعٍ ومبادرةٍ بالتحقيرِ العلني ( وحتى بتوجية اللوم الذي لا يبدو جارحاً ) الذي يحوله الى عنصرٍ سلبيٍ قادرٍ على الهدمِ، غير منتميٍ ولا يجرؤ على المبادرة.

وهذا لا يعني أن نوصل الأمور الى حد التسيب . فالحزمُ مطلوبٌ وهناك خطوطٌ حمراءٌ (واضحةٌ ومعروفةٌ ومطبقةٌ على جميع الحالات) يجبُ عدم تجاوزها . فإستمرار المؤسسة وتقدمُها يعتمد على تحقيقِ غاياتها.  وهذا يجب ان لا يُنسى ابداً. 

 

 

 

5- اتباع نظم التقييم الدوري

وهذا شبيهٌ بقياس الأداء للاداريين وللعمال الفنيين وغيرهم، وذلك بإستخدامِ وسائل قياس الكفاءة وإحتساب أخطاء الجودة أثناء الانتاج. وهذا مع الحضور والغياب ومقدار التعاون والانضباط، التي تُعتبرُ عوامل التقييم الرئيسية للعاملين.

والنظام يتطلب بناء آلية علمية لقياس هذه الجوانب كل على حده ثم دمجها في استمارة واحدة تشملها جميعاً  يحول كلاً منها الى عدد من النقاط التي يشير مجموعها الى مفاضلة كل عامل بالنسبة لزملاءه .

وهنا تجدرُ الإشارةُ الى أهميةِ توخي الدقةِ والموضوعيةِ في إستنباطِ المعلوماتش وإدخالِ البيانات وتحويلها الى درجاتٍ أو مستوياتٍ، وكذلك في المقارنةِ بين الأفرادِ أو المجموعاتِ أو خطوطِ الإنتاجِ مع الأخذِ بعينِ الإعتبارِ الظروف المحيطة بعملِ كل فئةٍ والتي تؤثر على المفاضلةِ الى حدٍ ما.

كما أن البعد عن المزاجيةِ والشلليةِ والحكمِ بالعواطفِ من الشروطِ المهمةِ في إنجاح عمليةِ التقييم .

تُبنى نظمُ التقييمِ من أجل الإستفادةِ الفعليةِ منها، وليست ترفاً وديكوراً، ولذلك يجب أنْ تُعطى النتائجُ الأهميةَ القصوى عند إستنباطها، والتعامل معها بمنتهى الجديةِ وبناء قراراتٍ كثيرةٍ في المراتِ اللاحقة على هذه النتائج.

 

6- التقييم الذاتي

عادةً ما تُصَمِمَ بعضُ المؤسسات إستماراتٍ خاصةٍ يقوم الموظفُ بتعبئتها،  بحيث يستعرضُ الجوانب المختلفةِ لأدائه وشخصيته ومهاراته، وإنعكاسِ ذلك على أداءه خلال الفترةِ المنصرمة التي عادةً ما تكون عاماً كاملاً.

وفي هذا فرصةٌ لكي ينظرَ الإداريُّ في المرآة، ويرى نفسَه ويقارن حقيقتَه بما يجب أنْ يكون . وإذا ما تُبِعَ ذلك بنقاشٍ بناءٍ مع رئيسِه، فيمكن أنْ نتوقع نتائجَ طيبةً في السنةِ التاليةِ لهذا التقييم.

والتقييمُ الذاتيُّ يُعَوِّدُ الفردُ على النقدِ الذاتيِّ الذي يمثل خطوةً مهمةً على دربِ بناءِ الفريقِ، وبثِّ الروح الجماعيةِ ونكرانِ الذات.  كما يُعَوِّدُةُ الحديثَ عن مشاكلة وحتى عن نقاطِ ضعفِة علانية.  وهذا يجعلة أحرصَ وأشجعَ وأقدرَ على تغييرِ هذا الواقع.  كما أنَّ تقييمات الآخرين الذاتية تساعد الفردَ على تجاوزِ مشاكلة بمقارنتها مع مشاكل الآخرين.

 

 

7- إجتماعات المشاركة

وهي إجتماعاتٌ دوريةٌ (أسبوعيةٌ مثلاً) لخطوطِ الإنتاجِ  (او لمجموعاتِ العمل) يُناقَش فيها أداءُ الفترةِ السابقةِ (الأُسبوعِ السابقِ مثلاً ) يَتِمُّ بحث أَسبابَ القصورِ إنْ وُجِد، وكيفية تحسين الأداء، وخصوصاً من زاويةِ القوى العاملة بالذات.

وكما تهدف الى التقريبِ بين أعضاءِ الفريقِ وزيادة اللحمة بينهم، وذلك بالإهتمام بشؤونِ الموظفين بعضهم البعض. مثل أعيادُ الميلاد الخاصة التي يمكن أن يعقد هكذا إجتماع حول طاولةٍ تحفل بالحلويات والشموع.

إنَّ إجتماعاتَ المشاركةِ إذا ما أُحسن إستخدامها تشكل أداةً فعالةً جداً في خلقِ وتعزيزِ الإنتماءِ الواعي وتحسين أوجة الإنتاجِ المختلفة وتقليل نسبة الدوران ( الإستقالات).

 

8- خلق جو من المنافسة

إن المنافسة بين الأفراد والفرق مطلوبةُ الى الحد لا يسمح بتنامي الفرديةِ والأنانيةِ والتحزبات ويقفُ حائلاً أمام تنمية روح الفريق.

فمثلاً إختيار "موظف الشهر"  أو "أفضل خط إنتاج للأسبوع" وربط ذلك بمكافئاتٍ ماديةٍ يمكن أنْ يكون له فائدةٌ عظيمة.

إنَّ الرغبةَ بالمنافسةِ محركٌ هائلٌ ( motive ) ينبغي الإستفادة منة.  كما أنَّ المنافسةَ بين أفرادٍ أو مجموعاتٍ يقومون بالعملِ نفسِة يُضفي بعضَ المرح والحماس على جوِ العملِ ويقضى على المللِ الناجمِ عن الرتابةِ في العملِ، والمللُ عنصرٌ هدامٌ قلما يُدْرَكُ مفعولة.

ويجب أن لا يُسمح لهذه المنافسة أن تُصبح محمومةً بحيث تجعل فئةً (قد لا

تكون صغيرةً) من العاملين أو بعضَ فرق العمل بأكملها تحس بالإحباطِ واليأسِ ولا تحاول حتى الدخول في السباقِ من أجل المنافسة.

 يتطلب الأمرُ تهيئةً وتشجيعاً وتوعيةً وبالتأكيدِ فرصاً متكافئة.

 

9- وجود نظام ترفيع واضح ومرتبط بالأداء

تتطلب المؤسسية نظاماً علمياً لترفيع الإداريين والعاملين عموماً الى مراتبَ وظيفيةٍ أعلى . يجب أن يُبنى هذا النظام على أُسسٍ معروفةٍ ومفهومةٍ للجميع، بحيث يسهل إقناع كل شخصٍ بما إستحق.

و تصبح هذة الأداةُ أكثر فاعليةً اذا ما كان هناك ميلٌ دائمٌ بإتجاةِ إختيارِ أحد العاملين لملءِ شاغرٍ او وظيفةٍ مستحدثةٍ بدل تعيين شخصٍ من خارجِ المؤسسة.  فهذا النهجُ يجعل العاملين أكثر إنتماءاً وأكثر حرصاً على الإرتقاءِ بمهاراتِهم الفنيةِ والإدارية.

سادسا: المتابعة

 

المتابعةُ هي آلية حراسة النظمِ والقوانين والتعليمات الخاصة بالشركة من قبلِ الإدارة والتأكد من تطبيقها بشكلٍ مستمرٍ وبشكلٍ دقيق.

و مثلما تضعُ الدولةُ قانونَ السيرِ على سبيلِ المثال، فإنها تنشر دورياتٍ من شرطة السيرِ للتأكد من إحترامِ السائقين لهذا القانون . مع الفارق، إذ أنَّ المؤسسةَ يجب أن لا تضطر الى أنْ تضعَ  " شرطةً " متفرغين للقيامِ بهذا العمل، فإنَّ عملَ الشرطةِ هذا يقع ضمن مهام الإداريين من مشرفين ومدراء الإنتاج الخ..فهم الذين يملكون السلطة التي تمكنهم ليس من ملاحظةِ الإنحراف فحسب ( وبالتالي أن يصدروا مخالفةً كما هو الحال لدى شرطةِ السير)، ولكن أنْ يصححوا الوضع ويصدروا توجيهاتٍ توعويةٍ بغالبها وربما يضطروا، في حال تكرار المخالفات، الى إتخاذ بعض الاجراءات العقابية مثل توجيه لفت نظرٍ او  إنذارٍ مثلاً.  تماماً كما تفعل شرطةُ السير.   وعلى إختلافٍ بينٍ  مع المقارنة الواردة آنفاً، فإنَّ التوجيةَ هو الطابعُ الغالب.  

إنَّ المتابعةَ الناجحة سببٌ من أسبابِ النجاح، وهي لا تهدف الى تطبيقِ النظمِ من أجل تطبيقِ النظم، إنما لزيادة فعالية نظمِ المؤسسةِ وضمان إحترامها والتقيد بها وبالتالي الحصول على نتائجٍ أفضل.

عند إصدار تعليماتٍ معينة، يجب على الإدارةِ أن تصر على تطبيقها وإحترامها ولا تدعها تذوي وتختفي تدريجيا، حتى يتوقف تطبيقُها بسبب إعتقادِ بعض العاملين بعدم جدواها او صعوبة تطبيقها. والمفروضُ الإستمرار في تطبيقِ هذه التعليمات، حتى  يصدر قرارٌ آخر بالغائها او تعديلها. هذا يعزز من هيبةِ المؤسسةِ ويقوي الطابع المؤسسيَّ فيها.

تقترن المتابعة بالرقابة (أو الرقابة والتفتيش) إلا أنَّ المتابعةَ تعبيرٌ أكثر تقدمية وايجابية من الرقابة، التي تتسم بالسلبية ولا تتماشى مع ثقافةٍ عصريةٍ يسعى كثيرون الى تنميتها . فالمتابعة هي رصد الإنحراف وتصحيحه، بينما الرقابةُ هي رصدُ الإنحرافِ ومعاقبة المسبب    ( وربما الإستمتاع بذلك).

تُعتبر المتابعةُ من أهم وظائفِ الإدارة في مرحلةِ ما بعد التأسيس . وهي تتطلب يقظةً دائمةً ومستمرةً، وهنا أود إستخدام التعبير الانجليزي ( vigil ) والذي يعني اليقظة الساهرة المحترسة، وهي الصفة التي يجب أن تتصفَ بها الإدارة كجهازِ متابعةٍ مثل الحارس اليقظ على الدوام.

والمتابعةُ لها أدواتُها، فالتقاريرُ اليوميةِ والأسبوعيةِ والشهريةِ أهمُها. وهنا لا بد من الإشارةِ إلى ما يعرف " تقرير الإدارة" ( Management Report ) وهو تقريرٌ مختصرٌ لا يحتوي إلا على ما هو مطلوبٌ من قبل الإدارة.  فهو يغني الإدارةُ العليا عن الغرقِ في تفاصيل قد لا تعنيها الكثير.

كما أنَّ هناك وسائلَ متابعةٍ إلكترونيةٍ عبر نظمٍ حاسوبيةٍ تظهر فيها حركة المواد وأرقام الإنتاج ونتائج الجودة وحجم المبيعات الخ..وهذة يمكن تصميمها داخلياً او شراء نظماً أكثر تقدماً منها.  وكذلك لوحاتٍ إلكترونيةٍ معلقةٍ في قاعاتِ الإنتاج تظهر عليها النتائج التي تهم الجميع أولاً بأول.

والمتابعة يجب أن تكون محسوسة من قبل الجميع وذلك بإظهار رد فعل ما على النتائج.  فالمتابعة "السرية"، إن صح التعبير، التي يحلو للبعض ممارستها باسلوب بوليسي لا تجدي الكثير.    

ويُعتبر الجهازُ الإداريُّ بكامِلِه جهازَ متابعةٍ بشكلٍ أو بآخر، وحقيقة الأمرِ أنه في المؤسسات التي تسودُها ثقافاتٌ إيجابيةٌ يُعتبر جميع العاملين في هذه المؤسساتِ " رقابيون " أنْ صحَّ التعبير.  وهذا يتطلب وجود آلياتٍ لرقابةِ العمالِ على أنفسهم وعلى الأداءِ العام برمتة، وهو ما قد يصحُّ أنْ يطلقَ علية تعبيرُ " الرقابة الذاتية ".

إنَّ الرقابةَ تتطلبَ أنْ تقترنَ بالوعيِ، لدى من يقوم بالرقابةِ والتوعيةِ لمن تُمارس عليه الرقابة كأداةِ تصحيحٍ أولية. وهذا الوعيُ لدى الإداريين الذي يظهر على شكلِ مرونةٍ في التعاملِ مع الحالاتِ المختلفة .

 

سابعا : قياس الأداء

 

لا بد لكلِّ مؤسسةٍ تطمح الى تحقيقِ  النجاح من آليةٍ لقياسِ الأداءِ بشكلٍ علميٍ ودوريٍ، وذلك من خلالِ تقارير وأدواتٍ مصممةٍ خصيصاً لذلك.  بحيث لا يُترك التقييمُ لإنطباعاتٍ عامةٍ، قائمةٍ على حقائق قد لا تكون دقيقةً أو كاملةً أو تغطي جميع الجوانب.

وهذا يجب أنْ يغطيَ كافةَ الجوانب المتعلقةِ بالنشاط اليومي للأفراد والجماعات داخل المؤسسةِ، سواءٌ كانت نتائجُ الأداءِ العام كالإنتاجِ والجودةِ والكفاءةِ والأرباحِ الخ ..أو المسلكيات كالتعاونِ والحضورِ والغيابِ وحتى الإنتماء.

ويتمُّ القياسُ بالنسبةِ لجوانبِ الأداءِ الغير قابلة للعد مثل التعاون بتحويل الأداء الى نسبةٍ مئويةٍ أو كسر. كأن يكون سلمٌ من ثلاثِ درجاتٍ أو خمسٍ أو عشرٍ، يتم إختيارُ إحداها بناءً على النتائجِ المترجمة الى أرقام، أو الى التقديرِ الشخصيِ للمسؤول المباشرِ أو مجموعةٍ من المسؤولين إذا كان نوعُ الأداءِ لا يُعَبَّرُ عنه بكمياتٍ مثل التعاون – كما ذكرنا - على سبيلِ المثال.

قياس الأداء للأفراد:

يُقيم أداءُ الأفراد عادةً مرةً في السنةِ (أو كل ستةِ أو ثلاثة أشهر) وبناءً على ذلك تترتب تحولاتٌ مهمةٌ في مسيرته المهنية، مثل تعديل الراتب أو الترفيع أو النقل أو غير ذلك، إيجاباً أو سلباً.  ويُبنى على مقارنة الأداء الفعلي مع الأداء المطلوب سواءٌ كان ذلك مبيعاتاً او إنتاجاً او جودةً او دخلاً او أرباحاً الخ.. بالإضافة الى أُمورٍ مساعدة أخرى مثل القدرات الإدارية والقيادة و الغياب والحضور الخ..

إنَّ قياس الأداء للأفراد لا يعني تقييم الأفراد فقط، إنما هو تقييمٌ عامُ للمؤسسة كلها، فوجود تدنٍ بمقياسٍ معينٍ لجانبٍ من جوانب الأداء العام لعددٍ كبيرٍ من العاملين، أمرٌ يستحق أن يُحلل ويُبحث في أسبابة وربطة بالنتائج ومدى تأثيرة عليها.  ومن ثم بحثُ الوسائل المتوجب إتباعها لتحسين الأداء في هذا الجانب.

 

قياس الأداء للجماعات:

قياسُ الأداءِ للجماعات مثل خطوط الانتاج وفرق العمل والفروع الخ.. وذلك بمقارنةِ الأداء الفعلي مع الأداءِ المطلوب، مع أخذ بعض العوامل المساعدة الأُخرى بعين الإعتبار مثل الجودة وسرعة التوريد وأُموراً أخرى تتعلق بالقوى البشرية والتكلفة وكذلك القدرة على التطوير والتكيف مع متطلبات السوق الخ.. وذلك لغاية المقارنة بين الجماعات والفرق لخلقِ المنافسة ومكافئة الأفضل، وإعادة تقييم جدوى الإستمرار للبعض  وإحتمال اجراء تغييرات إدارية على البعض الآخر أو تغيير المنتجات.

ولضمان أفضل النتائج، يجب أن تتسم التقارير بالدقة، وذلك من الإصدار الأول؛ بمعنى أن لا تكون هذة التقارير قابلةً للطعن والتعديل بإعادة إصدارها ثانيةً وثالثة، فهذا يُشكك في مصداقيتها.  لذلك يجب أن يكون الجهازُ المناط بة إصدار هذة التقارير متمكناً ونزيهاً.  كما يجب أن تصدر في موعدها المعتاد، الذي يجب أن يكون غيرُ بعيدٍ عن الفترة المعنية.

 

ثامنا : التطوير والتحسين

التطوير من أهم شروط البقاء والتقدم . كثيرٌ من المؤسسات تتبنى ما يسمى برنامج التحسين المستمر . بحيث يُصبح هذا الجهد جزءٌ من ثقافتها وتترسخ في أوساطها كقناعةٍ ونهج.

و لا يقتصر هذا الجهد على النظم والمنتجات وو سائل الإنتاج، إنما يبدأ بالأشخاص كعمال ومشرفين ومدراء، بحيث تنظم برامج ودوراتٌ وورش عملٍ ووسائل كثيرةٍ أخرى، تهدف إلى رفع مستوى أدائهم وإثراء معارفهم ومهاراتهم في جميع الجوانب المهنية واللغوية والقدرة على الاتصال والعمل الجماعي وكل ما يدفع باتجاه رفع سوية الأداء الفردي والأداء العام، وكذلك تحسين بعض المسلكيات وتعميق الإيمان بثقافة المؤسسة من عملٍ جماعي ونكران الذات والبعد عن المنافسة غير الموضوعية والتخلص من العادات المهنية والشخصية السيئة.  وهذا أمرٌ يحتاج الى جهدٍ متواصلٍ ومستمر.

كما يجب أن تخضع النظم والقوانين للتطوير والتعديل حيثما يستوجب ذلك التوسع والنمو والتغيرات في السوق الخ..  بحيث يُتبع ما هو أفضل للمؤسسةِ وإرتقائها. مع مراعاة أن التغيرات الكثيرة والسريعة قد تربك العاملين، ولذلك يجب أن تكون مدروسة من ناحية التوقيت ومقدار التغيير.

كما أنَّ المنتجات يجب أن تخضع  إلى نظام تطويرٍ دائمٍ وخصوصاً في صناعة الألبسة والمواد الغذائية أو في مجال الإعلام لمواكبةِ الذوق العام المتغير، كذلك أدوات الإنتاج فإنها بحاجةٍ إلى تحديثٍ وإعادة تصميم ( re-design ) من فترةٍ إلى أخرى.  وهذا يتطلب البحث المستمر والدؤوب عن ما هو جديدٌ وأفضل. وذلك بنشر ثقافةً بموجبها لا يُستصغر ولا يُهمل رأيٌ او إقتراحٌ،  بغض النظر عن خبرةِ وموقع صاحب الرأيِ او مقدم الإقتراح، وكذلك تُشجع هذة الثقافة حسنُ الإستماع ونمط التفكير الجماعي المبتعد عن الأنانية والعليائية.  والأهمُّ من ذلك تشجيعُ الإبداع والتفكير الإبداعي المتحرر من الجمود والمفاهيم التي جرت العادة على إعتبارها غير قابلةٍ للنقاش.

 

التعليم المستمر:

ترصدُ كثيرٌ من المؤسسات جزءاً من ميزانياتها للتدريب والتعليم لموظفيها وعمالها. وذلك لأهمية إنعكاس ذلك على الأداء العام. كما يمكن للمؤسسات الكبيرة أن يكون لديها مركز تدريبٍ دائمٍ يشرف عليه أحدُ كبار المدراء المعنيين والمقتنعين بهذه الرسالة بحيث يُنظم فيه دوراتٌ في الإدارةِ واللغات والادارة المالية وادارة الانتاج والتسويق الخ.. وكذلك ورشُ عملٍ تُناقش مواضيع محددةٌ لمدة يومٍ أو يومين مثل قضايا الجودة ووسائل رفع الكفائة الخ.. . وذلك إما بدعوةِ محاضرين من خارج المؤسسة أو من داخلها للتحدثِ حول هذة  المواضيع وغيرها، ألامرُ الذي يُثري معارف العاملين في المؤسسةِ مما ينعكس على أداءِهم وانتماءِهم.

بما أنَّ العنصرَ البشريَّ يُعتبر العنصرُ الأهم في أي مؤسسةٍ فإنَّ التركيزَ على تحسين أداء وتطوير مهارات المراتب الإدارية المختلفة وكذلك الارتقاء بوعي وخبرات القوى العاملة يعتبر استثماراً "يؤتي اؤكله" إنْ عاجلاً أوآجلاً.

وهذا يتطلب وجود جهازٍ متخصصٍ ضمن المؤسسة، وخصوصاً إذا كانت كبيرةَ الحجمِ، أو اللجوء إلى مؤسساتٍ  إستشاريةٍ مختصةٍ ضمن ضوابط ورقابة، بحيث لا يقف هذا عائقاً في طريق بناءِ ثقافةٍ متجانسةٍ في المؤسسة إذا كان" المحاضرون" ينتمون إلى ثقافاتٍ متعددةٍ سواء الإيجابية منها اوالسلبية.

وفي حال اللجوء إلى وجود جهازٍ داخلي، أي ما يسمى " قسم القوى البشرية" فلا يتطلب الأمرُ أن يعمل به عددٌ من " الدكاترة"، إنما مديرٌ مثقفٌ واعي، يؤمن بتوجهات المؤسسة العامة ويعمل قريباً من مديرِ المؤسسةِ وبتفاهمٍ معه ويدرك إحتياجات مؤسستة تماماً.  ويعمل معه شخصٌ أو اثنان لا أكثر. وهذا القسم ينسق الدورات والمحاضرات ويدقق مضمونها بحيث تكون في مجملها منهاجاً متجانساً وعملياً ويصب في إتجاة بناء الثقافةٍ المنشودة  . ويعمل كذلك على إستكشاف ذوي الحاجة الخاصة للتعلم من اوساطِ طاقمِ المؤسسة . كأن يُرشح شخصاً ما لدورةٍ متقدمةٍ في الحاسوب، أو آخر لدورةِ مبادئ محاسبية، لتسهل عليه عمله الجديد وهكذا.

إنَّ التحسينَ المستمر قناعةٌ، على معتنقها أنْ لا يقف موقفِ المتلقي، إنما يسعى إلى تنمية معارفه بالقراءةِ والإطلاعِ وإكتساب الخبرات من الآخرين والتفكير بإستمرار بما حوله. وعليه أن يكون متجدداً.

إنَّ الشخصَ الذي يسعى بإستمرار إلى تطوير قدراته، يتقدمَ في حياته الوظيفية بسرعةٍ تفوق أولئك الذين لا يفعلون، وحتى أولئك الذين يسعون للتسلقِ عبر أساليب التزلف والنفاق. هذا النموذج المتجدد هو الذي يدون ملاحظاتٍ في كل مرة يسمع فيها جديداً. وعندما يستمع إلى محاضرةٍ ربما يسعى للحصول على كتابٍ يُعمق معارفه أكثر بموضوعِ المحاضرة، ويُكثر من السؤال، ويبحث دائماً عن معارف جديدةٍ تُفيدة في تطويرِ مهاراتة وتجعلة إنساناً أفضل . وهذا النموذج، عموماً، يجدُ صعوبةً في العيش في أوساطِ المؤسساتِ التي تنعدم فيها ثقافةٌ مستنيرة.    

 

تاسعا : القيادة

تُعتبرُ القيادةُ من أهم وظائف الإدارة . وقد قمنا بتعريفِ القيادة على أنها "التأثير على سلوك ونشاط الأفرادِ والجماعات ضمن تشكيلٍ إجتماعيٍ معين من أجل تحقيقِ غاياتٍ عامةٍ وذلك تحت غطاءٍ شرعيةٍ ما" وهذا يعني القيام بكل ما لم يذكر في الوظائف السابق ذكرها الضرورية  لتحقيق غايات المؤسسة، إضافةً الى ما ذُكر، وتحقيق البيئة المناسبة لتحقيق هذه الغايات .

فالإدارةُ هي المرجعيةُ الوحيدةُ في إتخاذ القرارات وتفسيرها وتهيئة الظروف لتنفيذها ومتابعة مراحل التنفيذ وتقييم النتائج الخ..، كما أنها يجب أن تكون المرجعية الوحيدة للعاملين جميعاً في كافة القضايا الغير مهنية. فعندما تشتكي عاملة لمشرفِها من أنَّ زوجها يصادر راتبها كاملاً مثلاً، فإن هذا إثباتٌ أنَّ هذا المشرف هو قائدٌ معترفٌ به من قبل العاملات في خط إنتاجه.

وكذلك عندما يتقدم أحدُ مدراء الإنتاج الى مديره شارحاً قضيةَ أحدِ مساعديه الذي يحتاجُ الى مساعدةٍ في علاج مشكلةٍ إجتماعيةٍ مثلا، فإن هذا إثباتٌ أنَّ هذه المؤسسة تُدار من قبل قادةٍ وليس مدراء.

ففي كلتا الحالتين لو لجأ صاحبُ القضيةِ الى شخصٍ آخر غير مديره لكان   ذلك بسبب إحساسٍ وقناعةٍ في أعماقه بأنه ليس مرجعيتُه الأكثر شمولية وبالتالي فهو ليس القائد .

و يوجد هنا فارقٌ كبيرٌ سنعود للحديث عنه في فصلٍ لاحقٍ بين المدير والقائد.

 

والقيادة في مؤسسةٍ تجاريةٍ أو صناعيةٍ ليست صفةً رسميةً، ولا يُعين أحدٌ بوظيفةِ قائدٍ في القطاع الخاص. إنما يكتسب هذه الصفة بإنتدابٍ شعبي ٍ ( Popular mandate ) إنْ صحَّ التعبير . على إعتبار أن مرؤوسيه يشكلون" قاعدةً جماهيرية" . وهذا يتأتى من خلالِ ممارساتش المديرِ ونمط إدارته وقربه وإهتمامه بالعاملين حوله.

 إن إحساسَ الموظف نحو المدير – القائد هو مزيجٌ من الإحترام والرغبة الشديدة المستمرة أن يكونوا ضمن دائرة " الرضى" وهذا هو الإحساسُ بالخوف من المدير أو من غضبه.

قرأتُ مقالاًعن مدربِ فريقٍ رياضيٍ، حيث قال أحدُ اللاعبين أنَّه عندما كان يأتي إلى الإجتماعِ اليوميِّ وبعد أنْ يُلقي التحية، يقول" إجلسوا" كان يقولها بطريقة بحيثُ " لم يكن أحدُنا ينظر إذا ما كان هناك كرسيٌ أم لا". هذا المديرُ هو قائدٌ بالفطرة. كيف إكتسب هذه القدرة المذهلة على سرعةِ إيصال أوامره بحيث لا تمر عبر القنوات العصبية المعتادة . هذا سؤالٌ في غايةِ الأهميةِ ويتطلب بحثا مختصاًً في خلفيته. في أحدِ الإجتماعاتِ الدوريةِ لأحدِ خطوط الإنتاج، أذكر أنَّ الإجتماع بدأَ بمداخلةٍ قويةٍ من قِبَلِ مشرفةِ الخط حول حقوقِ عاملاتها المالية، وعندما إنتهت استأذنت إحدى العاملات لتقول أنها كانت تنوي أنْ تشتكي على المشرفة لأنها تعاملهنَّ بشدةٍ في بعض الأحيان، ولكنها عندما وجدتها تُدافع عنهنَّ أصبحت تعتقدُ الآن أنَّ لها الحقُ في أنْ تكون شديدة.

   هذه إحدى وسائل اكتساب "الانتداب الشعبي" ( Popular mandate ) الذي يشكل اعترافاً ضمنياً بالقيادة.

 

 


 
 

 


تعليقات

لا يوجد تعليقات

الإسم 
البريد الإليكتروني (ليس للنشر)
التعليق
هل توافق على الانضمام لمجموعتنا البريدية؟
  أرسل

 

Counter