كتاب " نحن وأوربا " - الجزء الثالث - الفصل العاشر - توسع الإسلام في آسيا
 
 


 

توسع الإسلام في الهند

 

دولة الغزنويين

وصل الإسلام إلى الهند قبل نهاية القرن الهجري الأول، وذلم بجهد التجار اليمنيين.  وقد إنتشر أولاً في غرب الهندن في المناطق الساحلية عند مصب نهر السند، وفيما يُعرف اليوم بولاية كجرات الهندية.  وقد إنتشر أولاً في أوساط طبقة البراهميين القائمين على شؤون الديانة الهندوسية.  ومنذ ذلك الوقت أخذ في الإنتشار، وعندما فُتحت السند في زمن الوليد بن عبد الملكن كان الإسلام كعقيدة قد سبق الجيوش.  وبعد فتح السند ثبتت الحدود بين الدولة الإسلامية والهند لعدة قرون. 

وفي العام 1001م ولى محمود الغزنوي إنتباهه تجاه الهند وصمم على فتحها، فقرر أن يقود حملة كل سنة إلى أراضيها.

ومحمود إبن مملوك تركي يسمى سبكتكين، وهو من موالي السامانيين [1] ، تمكن أن يصبح حاكماً لغزنة في العام 365 هـ ( 977م )، وقد كانت غزنة، وهي مدينة في شرق أفغانستان حالياً، جزء من دولة السامانيين، وتتبع إسمياً للخلافة العباسية في بغداد.  وفي هذا الزمن بدأت خراسان تتعرض لهجرات الترك وهجماتهم.

  وقد إعتلى محمود بن سبكتكين العرش في العام388هـ ( 998م )، وقد كان في سن السابعة والعشرين عندئذٍ ، وقد أظهر قدرات قيادية من نوعٍ خاص، كما أظهر طموحات كبيرة. فقد سيطر على خراسان سنة 390 هـ ( 1000 م ) ، وأزال عنها حكم السامانيين وإقام الخطبة للخليفة العباسي القادر [2] .

وكان جيبالا ملك البنجاب قد غزا غزنة قبل تولي محمود الحكم، في أيام أبيه سبكتكين ولكنه هُزم ووقع في الأسر وفدى نفسه بألف ألف درهم وخمسين فيلاً  .  ولكنه غدر فتجدد القتال فهزمه سبكتكين ثانيةً [3] .

 فقام محمود ، بعد توليه الحكم وإستتباب الأمر له ، بمهاجمة جيبالا أولاً ، حيث تمكن من هزيمته ووقع الملك جيبالا نفسه في الأسر.  أُطلق سراح الملك ولكنه تنازل عن العرش لإبنه أنندبال، ثم قام بحرق نفسه على الطريقة الهندوسية.

توجه الملك الجديد إلى ملوك الهند وأمراءها لتقديم المساعدة. وفي العام 1008م تجمع جيشٌ كبير، إلتقى مع جيش السلطان محمود بالقرب من بشاور.  وقد تواجه الجيشان لمدة أربعين يوماً دون صدام .  ثم هاجم الجيش الهندي الجيش الغزنوي، فنجح جناحا الجيش الهندي بزحزحة جناحي الجيش الغزنوي، ولكن في هذه الأثناء هرب فيل الملك أنندبال بعد إصابته بسهم، فظن جنوده أنه ينسحب، فإنهارت الجبهة.  فإنهزم الهنود هزيمة منكرة، مما فتح أبواب الهند أمام محمود الغزنوي، الذي تلقب بالسلطان. 

وفي السنوات التالية إستطاع ضم البنجاب، كما إستطاع الإستيلاء على  أربع ممالك في شمال الهند، وقد ترك حكمها لملوكها الهنود بحيث يدفعون إتاوة ويتبعون للدولة الغزنوية.  وفي العام 409 هـ     ( 1024 ) خاض محمود حملته الأخيرة حيث وصل إلى سواحل بحر العرب.  وفي العام 1026 م رجع إلى غزنة حيث أمضى الأربع سنوات الأخيرة في عاصمته التي أصبحت مدينة مزدهرة بعد تدفق ثروات كبيرة عليها، فأصبحت تضم القصور والمدارس والمساجد ، وأصبحت ذات وزن ثقافي وسياسي وديني كبير.

وقد عمل محمود في هذه الفترة على توسيع إمبراطوريته في إتجاهات أخرى.  فإستولى على الري وهمذان وجرجان وطبرستان ، كما إستولى على بخارى .  توفي محمود في العام 421هـ ( 1031م ) وكان ملكاً عظيماً وكان يعظم العلماء ويكرمهم ، كما كان عادلاً في رعيته رفيقاً بهم محسناً إليهم [4] ، وإستلم الحكم من بعده إبنه مسعود ( 1031 – 1041 ).  كان محمود يلقب بيمين الدولة أبو القاسم إبن سبكتكين، وقد خاض سبعة عشرة حملة ضد الهند ومع هذا كان لديه الوقت للإستماع لأشعار شاعر الفارسية العظيم الفردوسي صاحب الشاهنامة الذي كان ببلاطه. 

وكان السلطان محمود قد سمح لبعض القبائل التركية في رعي مواشيها في أراضي الدولة الغزنوية،  ولكن خطرهم أخذ يتعاظم فوقع بينهم وبين الغزنويين صدام ، نجم عنه أسر أرسلان بن سلجوق.  وفي زمن إبنه مسعود توحدوا تحت قيادة سلجوق، أحد شيوخهم ، وسيطروا على الأراضي المتواجدين عليها.  وقد حدث ذلك في الوقت الذي ثار حاكم لاهور الغزنوي ليستقل عن الدولة الغزنوية.  فقام مسعود بتوجيه قائد هندي إسمه تيلاك ضد هذا الحاكم فهزمه وقتله ، وهكذا ضمن مسعود لاهور .

إستمرت الدولة الغزنوية لغاية العام 1186م.  وفي هذه الأثناء إستمر الصراع مع السلاجقة، كما سُميت القبائل التركية نسبةً إلى سلجوق.  وفي سنة 426 هـ ( 1034 م ) أوقعوا هزيمة بجيش أرسله السلطان مسعود ، بعد أن بادروا إلى السلم ولكن السلطان لم يقبل بذلك . وإستولى السلاجقة على معظم خراسان ، ولكن مسعود إستطاع إستعادتها منهم ، ولكنه هُزم سنة 431هـ ( 1040م ) حيث فقد خراسان نهائياً [5] ، وحول عاصمته إلى لاهور،  فإنحصرت الدولة الغزنوية بأفغانستان وشمال الهند.  وقبل أن يصل مسعود إلى لاهور قام رجال الدولة بعزله وتعيين أخيه محمد سلطاناً مكانه.  ولكن مودود بن مسعود تمكن من الإنتقام من الذين قاموا بخلع أبيه وإستولى على عرش السلطنة وقتل عمه وأبناءه بنفس السنة .  وفي زمنه حاول ثلاثة من ملوك الهند مهاجمة لاهور ، ولكنه هزمهم وتتبعهم واحداً واحداً.  وقد حكم مودود عشر سنين وتوفى سنة 441هـ ( 1048م ) وخلفه إبنه وبعد خمس أيام خُلع وتولى علي بن مسعود ثم تمكن عمه عبد الرشيد من الإستئثار بالسلطة وكان مودود قد أودعه السجن [6] .   

كما ظهرت قوة جديدة بقيادة علاء الدين الغوري ، الذي تمكن من الإستيلاء على غزنة وطرد السلاجقة منها.  وقد ظهر في هذه الأثناء السلطان بهرام الغزنوي الذي إستطاع إستعادة أجزاء كبيرة من أراضي الدولة الغزنوية، ولكنهم عادوا وفقدوها بعد وفاته على يد السلاجقة.  وفي العام 1186 إنتهت الدولة الغزنوية بإجتياح لاهور من قبل الغوريين، الذين إكتسحوا بقية شمال الهند.

 

الدولة الغورية

وهي منسوبة إلى غور في أفغانستان.  وهم سلالة قبلية تنتمي إلى هذا الإقليم في أفغانستان تمكنت مع بداية القرن الثاني عشر من فرض سيطرتهم على قبائل أخرى في الإقليم ، فأصبحوا من القوة بحيث يستطيعون الوقوف في وجه الغزنوين الذين يحكمون الإقليم.  وقد إضطر ملك الجبل، زعيم الغوريين،  أن يغادر عاصمته التي كانت تحت الإنشاء إلى غزنة بسبب خلافات مع إخوته السبعة.  وفي غزنة تم إستقباله إستقبالاً حسناً من قبل السلطان بهرام شاه، ولكنه دس له السم لما رأى من شعبيته والخطر المحتمل الذي يشكله على الدولة الغزنوية.  فنسي الأخوة خلافاتهم وإتحدوا وهاجموا غزنة.  هاجموها واحداً بعد الآخر، في سلسلة من المعارك ، حيث قُتل أخٌ آخر فهبوا للإنتقام للقتيل الثاني، وفي العام 1151 هزم علاء الدين وهو أحد الأخوة السلطان بالقرب من قندهار، فتراجع السلطان إلى غزنة ولكن علاء الدين إجتاح المدينة وحرقها لمدة سبع أيام ، وقد رافق ذلك النهب والسلب والقتل.  وقد أظهر الغوريون قسوة شديدة جداً مع الغزنويين.  وإستمر حال الدولة الجديدة يتسم بالحروب والدماء إلى أن إعتلى عرشها غياث الدين الغوري ( 1157 – 1202 )، وهو إبن أخي علاء الدين، وكان متنوراً وعاقلاً ، فأرسى قواعد الدولة ونظمها وعرفت أفغانستان في زمنه الهدوء.  وقد إتسعت الدولة حتى وصلت الخليج العربي ووسط الهند وشمال النهر إلى كشغر إلى الشرق من سمرقند.   وقد ناب عنه في لاهور أخوه عزالدين محمد ، الذي شن حملات على الأراضي الهندية نجم عنها فتح دلهي في العام 1192م.  كما ناب عنه في باميان عمه الذي وسع رقعة الدولة في الشمال.             

وبعد وفاة غياث الدين طمع خوارزم شاه ، الذي أسس دولته إلى شمال مؤخراً، جنوب بحيرة آرال، في دولة الغوريين.  فهاجمهم في العام 1205 فسقطت بلخ وهيرات في العام التالي، على الرغم من محاولات السلطان الجديد معزالدين، أخو غياث الدين. فهرب إلى غزنة حيث مُنع من الدخول إليها، ففر إلى الهند فتم إغتياله على ضفاف نهر السند. 

صمد بعض أمراء الغوريين إلى العام 1215 في باميان ، ولكن خوارزم شاه تمكن من السيطرة على المدينة وقتل آخر حكامها.  وكان آخر سلاطنة الغوريين هو غياث الدين محمود ، الذي قتله خوارزم شاه وأنهى بذلك الدولة الغورية، التي كانت من أحسن الدول سيرةً وأعدلها وأكثرها جهاداً ، أما محمود فقد كان عادلاً حليماً كريماً [7] .  أما خوارزم شاه ، الذي كانت نهاية هذه الدولة على يديه ، فقد شجبه جميع مؤرخي المسلمين المعروفين على أنه تسبب في هجوم المغول على العالم الإسلامي.

 

سلطنة دلهي

تم فتح دلهي من قبل محمد الغوري الذي كان يحكم في لاهور لصالح أخيه غياث الدين.  وقاد الجيش الغوري قطب الدين أيبك.  وهو مملوك حمل لقب أيبك ، الذي يعني مقدم الجند [8] ، كما حمله مملوك آخر حكم في مصر بعد نصف قرن ، وهو عزالدين أيبك.  وقد كان مملوكاً لقاضي نيسابور، الذي إشتراه صبياً، ثم باعه ورثته إلى السلطان محمد الغوري ، الذي كان يحكم لاهور.  فأصبح أكبر قادته العسكريين.  وفي العام 584 هـ ( 1292 م ) تمكنت جيوش الغوريين بقيادة قطب الدين أيبك من فتح مدينة دلهي والإقليم المحيط فيها ، الذي إستمر يدير شمال الهند بعد فتحها ، حيث كان السلطان محمد مشغول في آسيا الوسطى.  وعندما توفي السلطان في العام 1206 إنفرد قطب الدين بالسلطة، ليس فقط بالهند وإنما في أفغانستان والسند ، أما باقي دولة الغوريين فقد وقعت تحت سيطرة المغول بقيادة جنكيز خان في حملته الأولى بإتجاه الغرب.  وقد بدأ حكمه في لاهور ثم إنتقل إلى دلهي .

وقد ترك قطب الدين أيبك آثار قيمة مثل قطب منار ، وهي منارة عالية في جنوب دلهي ، حيث كانت دلهي في ذلك الوقت.  وترك مسجد قبة الإسلام وهو أول مسجد يُبنى في دلهي.  ومات قطب الدين في حادث، حيث كان يلعب لعبة شبيهة بالبولو على الحصان فوقع عن حصانه وجرح. 

وتولى الحكم بعده السلطان شمس الدين تطمش ( للمش ) وحكم عشرين سنة ، وهو نائبه وزوج إبنته .  وكان عادلاً صالحاً فاضلاً ، وكان من شغفة بنصر المظلومين أن طلب منهم أن يرتدوا لباساً مصبوغاً ، بحيث يتميز هن لباس أهل الهند الأبيض، فبعرفه ويستدعيه وينظر في أمره .  وقد بنى خزان ما كبير لتشرب منه مدينة دلهي [9] . 

تولى الحكم بعد السلطان شمس الدين ، إبنه ركن الدين ، الذي بدأ حكمه بقتل أخيه.  فنظمت أخته رضية ثورة ضده وإستلكت الحكم لمدة أربع سنوات .  وكانت تلبس لباس المحاربين وتستخدم الأسلحة .  ثم عُزلت ووُلي أخاها ناصر الدين ، الذي كان عند توليها صغيراً وحكم عشرين سنة " وكان ملكاً صالحاً ينسخ نسخاً من الكتاب العزيز ويبيعها فيقتات بثمنها " [10] .

وكان غياث الدين بلبن ( 1266 – 1287 ) ، مملوكه ونائبه فثار عليه وتولى الحكم .  ويلاحظ أن سيرتهم تشبه إلى حد بعيد سيرة المماليك في مصر والشام ، حيث كان الإنقلاب على الحكم هو السائد، وغالباً بدون مبرر .  وفي عهد المماليك إتسعت رقعة السلطنة من ممر خيبر في أفغانستان إلى البنغال في الجنوب الشرقي.  وقد حكم خلال أربعة وثمانين عاماً أحد عشر سلطاناً.  وقد تولى السلطنة بعد بلبن حفيده معز الدين، على الرغم من أن الإبن ناصر الدين كان حياً ، فقد كان والياً على البنغال البعيدة ، الأمر الذي لم يقبله الأب ، فزحف بجيش كبير ، وإلتقى الجيشان على ضفتي نهر الجمنا المقدس لدى الهندوس بالقرب من أجرا، ولكنهما تصالحا وتنازل الأب للإبن ، الذي كان كريماً ، ولكنه كان يفرط في الشراب فمرض بسببه بعد سنين ، فثار عليه نائبه جلال الدين خلجي. 

فإنتقلت السلطة سنة 1290 إلى سلالةٍ أخرى وهي السلالة الخلجية .  حيث بدأت بجلال الدين خِلجي، ثم علاء الدين خِلجي إبن أخيه ، الذي ثار عليه وقتله ، وقد ثار على علاء الدين إبن أخيه ولكنه لم ينجح في ثورته وإستمر علاء الدين في الحكم لمدة عشرين سنة ، عُرف عنه العدل وحرصه على رعيته بمراقبة الأسعار وتخفيف الضرائب [11] .  وكان آخر حكامها قطب الدين مبارك شاه.  وإنتهى حكم هذه الأسرة في العام 1321م ،حيث ثار عليه ناصر الدين خسرو خان ، أحد المقربين لديه ،  وهو من أصل هندي ، تبنى سياسة محاباة الهندوس ، مما جعل رجال الدولة يستاؤون منه . فلم يدم حكمه طويلاً فقد ثار عليه تغلق وهزمه في موقعة قرب دلهي. 

وتغلق هو باني تغلق أباد المدينة الباقية آثارها إلى اليوم وهي جزء من العاصمة المعاصرة دلهي ، وكانت قصة بناؤها طريفة، فقد وقف تغلق يوماً مع السلطان قطب الدين في موضع خارج العاصمة وأشار إلى أن الموضع يصلح لبناء مدينة.  فرد عليه السلطان : " إذا أصبحت سلطاناً فإبنها ".  فأصبح سلطاناً ونفذ الفكرة وخلدته .  وهو من أصل تركي ، جاء إلى الهند وبدأ حياته بها كراعي للخيل لدى أحد التجار، ثم إنضم إلى الجيش في سلاح المشاة ثم إنتقل إلى سلاح الفرسان ، حيث ظهرت نجابته ، فأصبح من أمراء الجيش.  وكان يسمى الملك الغازي .  وفي سنة 1292 م ، هاجم المغول السند بجيشٍ كبير قوامه مائة ألف جندي ، ولكنهم لم يتمكنوا من الإستيلاء عليها.  وكان واليها تغلق ، وقد شاهد إبن بطوطة مكتوباً على مقصورة الجامع في مدينة ملتان في السند " إني قاتلت التتار تسعاً وعشرين مرة وهزمتهم ، فسميت الملك الغازي " [12] . وتولى بعد تغلق إبنه محمد ، الذي حكم من سنة 1325م إلى سنة 1351م .  وكان حاكماً على الهند عندما زارها الرحالة إبن بطوطة ، وقد وصفه بالكرم وحب شديد لسفك الدماء. وقد حكمت أسرة تغلق لغاية العام 1398م ، إلى أن تولت الحكم أسرة أخرى وهي أسرة لودي.

 

 

 

 



[1]  إبن خلدون ج 4 .

[2]  إبن خلدون ج 4 .

[3]  إبن خلدون ج 4 .

[4]  إبن خلدون ج 4 .

[5]  أبن خلدون ج 4 .

[6] إبن الأثير.

[7]  إبن الأثير .

[8]  إبن بطوطة.

[9]  إبن بطوطة .

[10]  إبن بطوطة .

[11]  إبن بطوطة .

[12]  إبن بطوطة .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 
 

 


تعليقات

لا يوجد تعليقات

الإسم 
البريد الإليكتروني (ليس للنشر)
التعليق
هل توافق على الانضمام لمجموعتنا البريدية؟
  أرسل

 

Counter