كتاب " نحن واوربا " - الجزء الثالث - الفصل الرابع عشر - دول شرق أوربا
 
 



دول شرق أوربا  

 

تأخر الإستقرار السياسي وبناء الدول في شرق أوربا.  ولكن سرعان ما إستقر الماجيار وبنوا دولتهم وتنصروا.  لقد إرتبط الإستقرار وبناء الدول، إلى حد بعيد، بالتنصر، وحدث ذلك متأخراً نسبياً، وخصوصاً في الشمال.  لقد ظهرت دولتين إسلاميتين في شرق أوربا.  ففي مرحلة مبكرة أسس البلغار دولة في حوض الفالجا، قبل ظهور روسيا بقرون.  كما إستقرت قبيلة مغولية شمال البحر الأسود، ثم أسلموا وأسسوا دولة. 

    إمبراطورية المجر

كانت دولة المجر مزدهرة في القرن الرابع عشر إلى حد كبير.  فقد كان يحكمها ملوك آل أنجو .  فقد كان شارل الأعرج ملك نابولي ، إبن شارل أنجو الكبير، قد تزوج من إبنة الملك بيلا ملك المجر.  وبعد وفاة ملك المجر دون أن يكون له وريث من أبناءه ، إعتلى عرش المجر شارل روبير ، حفيد شارل الأعرج سنة 1308م.   وحكم لغاية العام 1342م ، ثم خلفه إبنه لويس ( 1342- 1382) الذي لقب بالكبير. وقد أصبح سنة 1372 ملكاً على بولندا بإختيار نبلاءها ، ونصيحة حاكمها كاسيمار قبل وفاته.  كان عهد الملكين روبير ولويس عهداً شهدت فيه البلاد إزدهاراً ملحوظاً ، فقد كانا حاكمين قديرين ، دعما البرجوازية الهشة الصاعدة في المدن ، وإستقدما المهاجرين من إيطاليا وألمانيا ، وأعطا العملة أهمية أكبر ودعما التجارة وألغا الرسوم على طرق السفر، وزادا من إنتاج مناجم الذهب .  ودعما القوة العسكرية للمملكة بحماية الخاصية الوراثية لضياع وأملاك كبار الملاكين ، التي كان الجيش يتشكل من حاشياتهم وأتباعهم .  كما زادا من عدد قوات الحرس الملكي الخاص.  

وفي القرن الرابع عشر بدأ لويس ، ملك المجر، بإحياء التقاليد الإمبراطورية لآل أنجو، بوصفه ملكاً على المجر وبولندا، فبدأ يطمح بنابولي ، وقد كان يطمح في البلقان ، قبل سيطرة العثمانيين على أجزاء كبيرة منها .  وقد كان سكان البلقان الأرثودكس المذهب يرفضون تطلعات آل أنجو الكاثوليك ، كما كان يفعل سكان بلغاريا وموادافيا ورومانيا .  ولهذا السبب قدم لهم لويس مساعدة ضئيلة عندما هاجمهم العثمانيون [1] .   وقد حسم الموقف في البلقان بعد وفاة لويس بسبع سنوات ، سنة 1389م عندما هُزم العثمانيون تحالف من الرومانيين والصرب والمولدافيين بالقرب من كوسوفو، وقد كانت الهزيمة ساحقة لدرجة تم على أثرها ضم هذه الدول الثلاث إلى الدولة العثمانية .   كما نجم عن المعركة وضم هذه الأقاليم أن أصبحت المجر في خط مواجهة مع الدولة العثمانية . 

وكان الخلاف العائلي المعتاد قد مزق الإمبراطورية من جديد ، فقد وقع الخلاف بين ماري وشارل ، ملك نابولي .  ثم نجحت ماري ، التي كان زوجها سيجيسموند ، في الجلوس على العرش بعد خسارة جميع الممتلكات الإيطالية .  ثم عملا على تشكيل جبهة لمواجهة التوسع العثماني ، فإستطاعا ، بمساعدة البابا وفرنسا تنظيم آخر حملة صليبية موجهة تحت هذا المسمى ضد المسلمين ، وكان الجيش الصليبي تحت قيادة جون إبن دوق برجندي .  وإلتقا جيشا سيجسموند وجون مع جيش العثماننيين في نيكوبوليس ، خلف الدانوب ، ولقوا هزيمة مروعة سنة 1396، وباتت المجر مفتوحة بدون دفاع [2] .  ومن نيكوبوليس عاد العثمانيون إلى القسطنطينية ، وكان سقوطها مرجحاً ، وكذلك المجر ، لولا ظهور المغول بقيادة تيمورلنك في شرق الأناضول . 

بولندا

ظهر الكيان البولندي سنة 966م ، وفي العام 1025 أصبحت بولندا مملكة على إقليم لا يختلف في حدوده ومساحته عن بولندة الحالية.  وكان حاكمها الأول ميسزكو، من سلالة بياست، قد تنصر في العام 966م ، حيث تبنى المذهب الكاثوليكي.  وتنصر الشعب البولندي تدريجياً خلال القرون التالية. 

وفي بداية القرن الثاني عشر تقسمت بولندة إلى عدة كيانات، ثم تم إجتياح بولندة من قبل مغول القبيلة الذهبية، في الأعوام 1241 و1259 و1287.  فقتل عشرات الألوف ودمرت المدن. 

وفي العام 1320 تم توحيد بولندا وتحريرها من المغول .  فكان فلادسلاو الأول ملكاً.  وكان إبنه كاسيمير  الثالث من أعظم ملوك بولندا.  وفي هذا القرن وقع الطاعون، ولكن بولندة كانت من الدول القليلة في العالم التي لم تعاني منه. 

إتحدت بولندة مع ليثوانيا في العام 1569، فإستمرت الوحدة لغاية 1795م، حيث إستعادت بولندة إستقلالها.

 

التشيك  

تتكون دولة التشيك مما كان يعرف ببوهيميا ومورافيا.  وبوهيميا تعني موطن البوي، وهم شعب كلتي سكن هذا الإقليم قديماً وأعطاه إسمه.  أما مورافيا فهو الإقليم الذي يمر فيه نهر مورافيا، ويقع اليوم في دولتي التشيك وسلوفاكيا.  وقد كانت مورافيا إمبراطورية كبيرة في القرن التاسع.

لقد تعرض هذا الإقليم إلى هجرات عديدة، مثل الهون والآفار والبلغار والماجيار.  وقد سبق هذه الهجرات إستقرار السلاف وشعوب جرمانية في هذه المنطقة.  وعندما تأسست أول دولة للسلاف في القرن التاسع، ظهرت إلى الوجود مقاطعة مورافيا كجزء من هذه الدولة التي غطت مساحات واسعة.

وفي القرن التاسع ظهرت دولة التشيك أو مملكة بوهيميا كتابع للإمبراطورية الرومانية المقدسة.  فتم تعميد الدوق بوريفوج الأول سنة 874 م على يدي القديس ميثوديوس، وهو دوق بوهيميا.  وفي العام 895 إستقلت بوهيميا عن مورافيا العظمى.  ولكنها وقعت تحت سيطرة دوق بولندة في بداية القرن الحادي عشر.

وفي العام 1086م تم تتويج الدوق فراتيسلاوس الثاني كملك بوهيميا.  وتكرر ذلك في العام 1158، حيث تم تتويج الدوق فلاديسلاوس الثاني كملك بوهيميا من قبل إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة كمكافئة.  وفي كلتي الحالتين لم يكن اللقب وراثياً.

وفي العام 1198 حصل الدوق بريميسل اوتاكر الأول على لقب ملك بوهيميا، من قبل فريدريك الثاني، إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة.  وقد خلفه ثلاث ملوك من سلالته إلى العام 1300، حيث توحدت مع بولندة وإستمرت هذه الأسرة في حكم الإتحاد لمدة ستة سنوات ، فبوفاة وينسيسلوس الثالث ، إنتقل الحكم إلى عائلة لوكسمبورغ وإنفصلت بولنده.

 

مغول القفجاق ( القبيلة الذهبية )

حدثت المواجهة الأولى مع جيش مغولي في معركة حاسمة سنة 1223م في زمن جنكيز خان، وذلك في معركة نهر الكلكا مع المقاتلين السلاف الشرقيين.  حيث أصبحت أقاليم واسعة تحت حكم المغول.  وقد منح جنكيز خان الجزء الواقع شمال بحر قزوين والبحر الأسود لإبنه جوتشي، الذي توفي في حياة أبيه سنة 1225.  وهو أبو باطو الذي تسلم حكم هذا الإقليم سنة 1227، السنة التي توفي فيها جده.  وتسميهم المصادر العربية مغول القبجاق.  

وفي العام 1237م عاد الجيش المغولي بقيادة باطو خان إلى الهجوم على أوربا ، حيث هاجموا بلغار الفولغا ثم روسيا.  حيث أخضعوا مقاطعاتها للتبعية المغولية وأحرقوا موسكو [3] .  ثم إتجهوا إلى أوربا الشرقية.  وفي العام 1241 كانت أوربا الغربية مفتوحة أمام المغول، فقد هزموا الجيوش الألمانية والهنغارية والبولندية في معارك ليجنيكا وموهي، ولكن أخبار وفاة الخان أوجودي ( أقطاي )، خليفة جنكيز خان،  وصلت ، مما إستوجب عودة باطو إلى كراكولم للمشاركة في إجتماع الكورولتاي، مجلس زعماء المغول ليقر إختيار الخان الجديد.  حيث كان الجيش المغولي محاصراً لفيينا، وأوربا ترتجف وتنتظر ، فتوقف الإجتياح المغولي [4] .

وفي المجلس تمكنت أرملة الخان المتوفي أن تنتخب إبنها جويوك.  وقد عارض باتو هذا الإنتخاب ، ولكنه لم يحظى بالنفوذ الكافي لتأمين إنتخابه شخصياً.  فعاد إلى أوربا، حيث أكد إستقلال مملكته عن الإمبراطورية المنغولية .  ولم يستأنف الزحف إلى الغرب.  وعندما طُلب منه التوجه إلى العاصمة للمشاركة في إجتماع آخر للخروج من حالة الجمود، تعلل بأن الوضع في أوربا خطير وأنه لا يستطيع الحضور، كما أنه لا يوافق على قرارات تؤخذ في غيابه.  ولكنه وافق على إرسال من ينوب عنه دون أن يعترف بإنتخاب جويوك. 

ولكن جويوك مات في طريقه إلى الغرب، حيث تحرك على رأس جيش ليقنع باطو بالإعتراف بسلطته كخان أعظم.

وقد حاولت أرملته، بدورها، أن تتولى الوصاية على العرش لصالح إبنها.  ولكنها فشلت في ذلك .  فتم إنتخاب منكة خاناً أعظم ، وهو أخو هولاكو.

في العام 1242 أسس باطو عاصمته في سراي على أحد روافد نهر الفولجا، وسماها إبن بطوطة السرا [5] ، فكانت دولته تغطي مساحات واسعة شمال بحر قزوين والبحر الأسود ، بما في ذلك حوض الفولغا وإمارة موسكو، التي كانت تتمتع بحكم ذاتي.

توفي باطو في العام 1255، فخلفه أخوه بيرك ( بركة [6] )الذي دخل الإسلام وركز جميع قواه ضد دولة الإلخانات المغولية، التي كانت قد تشكلت في فارس وعاصمتها تبريز ولم تكن قد إستولت على

بغداد بعد.  ويبدو أن العداء موروث، كما يبدو أن بركة خان حاول إنقاذ بغداد، فقد إتصل بالمماليك وتحالف معهم ضد الإلخانات، الذين إستمر عداءه معهم إلى أن إنتهت دولتهم.  توفي بركة خان في العام 1267م.  وقد كان أول قائد مغولي يخرج عن دين آباءه. 

ثم حكم مونجكي تيمور Temur     Mongke   الذي إستمر بسياسة بركة  في عداءه لمغول فارس.  وفي زمنه زادت سيطرة دولة القفجاق ( القبيلة الذهبية ) على التجارة، وأصبحت أقوى دولة في أوربا، تهدد جيرانها بالغزو بإستمرار.  وبعد وفاة مونجكي تيمور سنة 1279 أصبح ملوك المغول تحت سيطرة قادتهم العسكريين.    

لقد تشكلت القبيلة الذهبية من العنصرين التركي والمغولي، فأخذ الطابع التركي يسيطر تدريجياً عليها.  ولكن التحول الأهم جاء على يدي أوزبك خان ( 1312 – 1341) ، الذي أعاد للدولة مجدها، وهو الذي تبني الدين الإسلامي كدين رسمي للدولة.  وقد قابله إبن بطوطة ووصفه بأنه من أعظم ملوك الدنيا [7] . 

لا يتفق الباحثون على سبب تسمية القبيلة الذهبية بهذا الإسم.  فالبعض يعزي ذلك للتوشيح الذهبي على خيامهم .  ولكن هذه الدولة التي لعبت دوراً هاماً في تاريخ أوربا الشرقية، إستمرت لغاية 1480م.  وإنتهت بالتقسيم إلى دويلات، حيث إختفت واحدة بعد أخرى.  ساعدت القبيلة الذهبية على ظهور دولة روسيا. 

ويعود كثير من شعوب هذا الإقليم إلى أصول مغولية،  مثل أهل أوزبكستان وأهل كزاخاستان.  كما أن هناك شعب التتار في وسط روسيا الذي يعود إلى نفس الأصول.  



[1]  حضارة أوربا العصور الوسطى ، موريس كين .

[2]  حضارة أوربا العصور الوسطى ، موريس كين .

[3]  أوربا العصور الوسطى ، عاشور.

[4]  أوربا العصور الوسطى ، عاشور.

[5]  رحلة إبن بطوطة .

[6] إبن خلدون ج 5.

[7]  رحلة إبن بطوطة .


 
 

 


تعليقات

لا يوجد تعليقات

الإسم 
البريد الإليكتروني (ليس للنشر)
التعليق
هل توافق على الانضمام لمجموعتنا البريدية؟
  أرسل

 

Counter